Minhaj Muttaqin
كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
Genres
والجواب: أن العلم بصحة السمع يقف على العلم بأنه عالم لذاته؛ لأنه إذا كان عالما بعلم، انحصرت معلوماته، فلا يكون عالما بكل القبائح، وبعد فالعرب إنما يستعملون العلم بمعنى العالم أو بمعنى المعلوم، فيقولون: جرى هذا بعلمي أي وأنا عالم به، ولا يعقلون المعنى الذي يثبته المتكلمون؛ لأنه إنما يعرف بتأمل كبير /118/ والله تعالى إنما يخاطبهم بما يعقلونه، وتقديره أنزله وهو عالم به، ولا يضع إلا وهو عالم. وبعد فالظاهر متروك؛ لأن الباء في مثل هذا للالصاق بما هو آلة للفعل نحو كتبت بالقلم، فلو كان المراد بالعلم المعنى لكان علمه تعالى آلة في الإنزال والوضع، وأما قوله: {ولا يحيطون بشيء من علمه} فالمراد من معلوماته تعالى كما يقال هذا علم أهل البيت عليهم السلام، وعلم أبي حنيفة رضي الله عنه، أي معلومة، وكقولهم: اللهم اغفر علمك فينا أي معلومك، ولأن من للتبعيض والمعنى الذي يثبته المتكلمون لا يتبعض، ولأن الاستثناء لا يصح إلا إذا حمل على المعلوم، وتقديره بشيء من معلومه إلا بما شاء، فلولا ذلك لكنا قد أحطنا بنقص علمه القائم بذاته، وهو محال.
وأما معارضة أصحابنا لهم بقوله تعالى وفوق كل ذي علم عليم، فلا يستقيم؛ لأن لهم أن يقلبوا علينا فيقولوا عندكم أن العلم هنا بمعنى العالم، فيلزم أن يكون فوق كل عالم عليم، فلا يكون بد من التأويل.
واحتجوا لإثبات القدرة بقوله تعالى: {ذو القوة المتين}، وقوله: {هو اشد منهم قوة} ونحو ذلك. والجواب ما تقدم من أن العرب لا يعقلون معاني المتكلمين وإنما يستعملون للقدرة بمعنى الإقتدار، فيقولون القدرة لله تعالى، أي الاقتدار، ويقولون لفلان قدرة على كذا، أي هو قادر عليه، ولأن الظاهر متروك من حيث أن الشدة والمتانة إنما يستعملان في الأجسام.
Page 178