Minhaj Muttaqin
كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
Genres
فصل في أنه تعالى باق وأنه لا ضد له. اعلم أن البقاء هو استمرار الوجود بدليل أن من علمه مستمر الوجود علمه باقيا، العكس، ولا يعقل أحدهما من دون الآخر، ولا ينقلب علينا في التحيز، وكونه كائنا؛ لأنه ما من كائنية إلا وتعقل التحيز من دونها بل تعقل التحيز، وإن لم يخطر ببالنا الكائنية إذا ثبت هذا، وقد ثبت أن الله تعالى واجب الوجود لم يزل، فيكون واجب الوجود لا يزال لأنها صفة ذاتية فلا يصح خروجه عنها بحال، وقد ذهبت الأشعرية والكلابية إلى أن الباقي يبقى ببقاء شاهدا وغائبا، وبه قال الكعبي شاهدا فقط.
لنا أنه لو كان البقاء معنى لكان جنس الفعل، فكان يصح حدوثه حال حدوث الجوهر، فيكون حادثا باقيا. ولا ينقلب علينا في السكون، لأنا نجوز حصول ما هو من جنسه حال الحدوث، لكن لا يسمى سكونا إلا بأن ينضم إليه مثله.
فإن قال إنه حصل حال الحدوث مانع وهو استحالة هذه الصفة.
قلنا: استحالة الصفة يتبع استحالة المعنى على أنا قد بينا أنه لا صفة للباقي أكثر من استمرار الوجود، وإلا لزم أن يكون كونه فانيا صفة يضادها، فيحتاج كل واحدة منهما إلى استمرار الوجود؛ لأن ما احتاج إليه أحد الضدين احتاج إليه الآخر، وفي ذلك كون الفاني مستمر الوجود.
فإن قال: إنه يحصل حال الحدوث معنى يضاد البقاء وهو الحدوث كما يقول عناد وهشام الفوطي. قلنا: ليس الحدوث معنى لأنه كان لا يخلو إما أن يكون قديما فيلزم قدم الحوادث وإما محدثا فيحتاج إلى معنى، والكلام فيه كالكلام في هذا، فيتسلسل، ثم إن سلمنا أن الحدوث معنى يضاد البقاء فكان يلزم أن يعاقب البقاء كما يصح أن يعاقبه البقاء لأن هذا حق كل ضدين، فيلزم صحة أن يكون الشيء حادثا باقيا بأن يحصل الحدوث حال البقاء.
فإن قال: إن البقاء يحتاج إلى استمرار الوجود.
قيل له /102/ كيف يصح ذلك واستمرار الوجود يحتاج إلى البقاء.
Page 154