Minhaj Muttaqin
كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
Genres
وقال أبو الحسين وابن الملاحمي: هو المتبين لأمر من الأمور تبينا يمتنع معه في نفسه تجويز خلافه، وهو لا يصح كما تقدم؛ لأن هذا اللفظ لا يطلق إلا على من يتعرف الشيء بمشقة وتجويز، وأيضا فهو لا يفيد حصول المعرفة، ولهذا يقال: تبينت الشيء فما عرفته أي طلبت معرفته؛ ولأن المتبين أخفى من العالم فلا نحد به.
فصل
وذهب أهل الإسلام وأهل الكتاب وغيرهم إلى أن الله تعالى عالم. وقالت الباطنية وابن غوث بمقالتهم في كونه قادرا. وقالت الفلاسفة هو عالم.
ثم اختلفوا، فقال أوائلهم هو عالم بنفسه فقط، ولا يعلم غيره، قالوا: والعلم والعالم والمعلوم شيء واحد؛ لأنه لو علم غيره لاقتضى ذلك التكثر في ذاته، ومن هاهنا اقتضى علمه بنفسه صدور العقل الأول منه، فلو علم غير نفسه لصدر عنه غير ذلك العقل، وقال أواخرهم كابن سيناء والفارابي وابن الراوندي: هو شيء يعلم مع ذاته الأمور الكلية دون الأمور الجزئية المنقسمة بانقسام الزمان إلى الماضي والحاضر والمستقبل؛ لأنها متغيرة، والعلم بها مختلف متغير، فلو علمها لاقتضى التغير في ذاته، قالوا مثاله الكسوف، فإن له ثلاث حالات، حالة عدم وحالة وجود وحالة عدم بعد ذلك الوجود، فأحدنا يعلمه أولا معدوما، ثم إذا وجد علمه موجودا، ثم إذا عدم علمه معدوما، وكل واحد من هذه العلوم غير الآخر، فإذا حصل تغير الآخر وتغير العلوم يقتضي تغير العالم، قالوا: فلا يعلم تعالى الأمور المفصلة لا ما كان ولا ما هو كائن، ولا ما سيكون، وإنما يعلم علما كليا، وهو أن الأرض مثلا متى توسطت بين الشمس والقمر أكسف القمر، فأما إنه قد أكسف القمر أو سيكسف، فلا يعلمه، هذا تحرير مذهبهم، وسيتضح بطلانه في آخر فصل الكيفية، وإن كان لا طريق لهم إلى إثباته تعالى عالما، وقد أضافوا الأفعال المحكمة إلى العقول والأفلاك.
لنا: إنه تعالى قد صح منه الفعل المحكم والفعل لا يصح إلا من عالم.
Page 134