Sharḥ al-Nawawī ʿalā Ṣaḥīḥ Muslim
شرح النووي على صحيح مسلم
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Edition
الثانية
Publication Year
١٣٩٢
Publisher Location
بيروت
فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك إلى قوله فلا تكونن من الممترين وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ﷺ قَدْ شَكَّ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ فَأَمَّا التَّطْهِيرُ وَالتَّزْكِيَةُ وَالدُّعَاءُ مِنَ الْإِمَامِ لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْفَاعِلَ فِيهَا قَدْ يَنَالُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ﷺ فِيهَا وَكُلُّ ثَوَابٍ موعود على عمل بر كَانَ فِي زَمَنِهِ ﷺ فَإِنَّهُ بَاقٍ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَعَامِلِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُصَّدِّقِ بِالنَّمَاءِ وَالْبَرَكَةِ فِي مَالِهِ وَيُرْجَى أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ ذَلِكَ وَلَا يُخَيِّبَ مَسْأَلَتَهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَأَوَّلْتَ أَمْرَ الطَّائِفَةِ الَّتِي مَنَعَتِ الزَّكَاةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ وَجَعَلْتَهُمْ أَهْلَ بَغْيٍ وَهَلْ إِذَا أَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِنَا فَرْضَ الزَّكَاةِ وَامْتَنَعُوا مِنْ أَدَائِهَا يَكُونُ حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَهْلِ الْبَغْيِ قُلْنَا لَا فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَ فَرْضَ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ كَانَ كَافِرًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا عُذِرُوا لِأَسْبَابٍ وَأُمُورٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْهَا قُرْبُ الْعَهْدِ بِزَمَانِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي كَانَ يَقَعُ فِيهِ تَبْدِيلُ الْأَحْكَامِ بِالنَّسْخِ وَمِنْهَا أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا جُهَّالًا بِأُمُورِ الدِّينِ وَكَانَ عَهْدُهُمْ بِالْإِسْلَامِ قَرِيبًا فَدَخَلَتْهُمُ الشُّبْهَةُ فَعُذِرُوا فَأَمَّا الْيَوْمَ وَقَدْ شَاعَ دِينُ الْإِسْلَامِ وَاسْتَفَاضَ فِي الْمُسْلِمِينَ عِلْمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ حَتَّى عَرَفَهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَاشْتَرَكَ فِيهِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ فَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِتَأْوِيلٍ يَتَأَوَّلُهُ فِي إِنْكَارِهَا وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا كَانَ عِلْمُهُ مُنْتَشِرًا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ شَهْرِ رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنى وَالْخَمْرِ وَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَلَا يَعْرِفُ حُدُودَهُ فَإِنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهَا جَهْلًا بِهِ لَمْ يَكْفُرْ وَكَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ أُولَئِكَ الْقَوْمِ فِي بَقَاءِ اسْمِ الدِّينِ عَلَيْهِ فَأَمَّا مَا كَانَ الْإِجْمَاعُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ طَرِيقِ عِلْمِ الْخَاصَّةِ كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَأَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا يَرِثُ وَأَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا لَا يَكْفُرُ بَلْ يُعْذَرُ فِيهَا لِعَدَمِ اسْتِفَاضَةِ عِلْمِهَا فِي الْعَامَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ ﵀ وَإِنَّمَا عَرَضَتِ الشُّبْهَةُ لِمَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ لِكَثْرَةِ مَا دَخَلَهُ مِنَ الْحَذْفِ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ لَمْ يَكُنْ سِيَاقُ الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي كَيْفِيَّةِ الرِّدَّةِ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ حِكَايَةُ مَا جَرَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄ وَمَا تَنَازَعَاهُ فِي اسْتِبَاحَةِ قِتَالِهِمْ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا لَمْ يَعْنِ بِذِكْرِ جَمِيعِ الْقِصَّةِ اعْتِمَادًا عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا إِذْ كَانُوا قَدْ عَلِمُوا كَيْفِيَّةَ الْقِصَّةِ وَيُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصَرٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
1 / 205