============================================================
ولقد رام بعض سخفاء العقول محاكاة بعض قصار المفصل، فأتى من الهذيان بالعجب العجاب، كقول مسيلمة الكذاب اللعين : يا ضفدع ؛ كم تنقنقين؟ أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الماء تكدرين، ولا الشراب تمنعين، وقوله - محاكيا ل( النازعات) و(الذاريات)-: والزارعات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقمأ، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر: وقال آخر: ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى، أخرج من بطنها نسمة تسعى، من بين شراسيف وأحشا(1) وقال آخر: الفيل، وما الفيل؟! وما أدراك ما الفيل 14 له ذنب وثيل)، ومشفر طويل، فإن ذلك من خلق ربنا لقليل: ثانيها: أنه مع كونه من جنس كلام العرب خارج عن سائر فتونه من النظم والسجع، والخطب والشعر ونحوها، فحير عقولهم حتى لم يهتدوا إلى مثل شيء منه؛ إذ لا مثال له يحتذى عليه، ولا إمام يرجع عند الاشتباه إليه، ولقد رام قوم من المتأخرين - انتهت إليهم فصاحة وقتهم - شيئا من محاكاته، فاعترتهم هيبة فطمتهم عن ذلك ومنهم من فصل كلاما وجعله سورا ، فسمع صبيا يقرأ : وقيل يكأرض أبلعى مآءك ويسماء أقلعى وغيض الماء وقضى الأمر) فتاب ومحا ما عمل ثالثها: تأثيره في النفوس والقلوب، بحيث تجد من اللذة والحلاوة عند سماعه ما لم تجده عند سماع غيره، ومن ثم كان قارثه وسامعه لا يمله، بل كلما زاد تكريره. زادت حلاوته، واتضحت طلاوته.
رابعها : ما فيه من الإحاطة بعلوم الأولين والآخرين ما قرطنا فى الكتلي من شتى و) ومن الإخبار بالمغيبات مما كان وما يكون، نحو: { وكن تفعلوا)، ولا يكمتونه أبدا} (1) الشراسيف : مفردها شرسوف- بوزن عصفور- وهر: غضروف معلق بكل ضلع، آو مسقط الضلع، وهو: الطرف المشرف على البطن (2) الثيل- بفتح الثاء وكسرها - هو : وعاء قضيب البعير وغيره، أو هو : القضيب نفسه
Page 323