The Sense of Beauty » عام 1896م (وهو مترجم إلى العربية) وكتاب حياة العقل
The Life of Reason
في خمسة أجزاء عام 1905م، وبعد مغادرته لأمريكا أصدر مؤلفه العظيم «عوالم الوجود
Realms of Being ». ومات جورج سانتيانا في سبتمبر عام 1952م، وكان عندئذ قد بلغ من العمر تسعة وثمانين عاما.
فلسفة سانتيانا فلسفة طبيعية تفسر الطبيعة بنفسها؛ فهو يذهب - كما يذهب الفلاسفة الواقعيون - إلى أن وعي الإنسان بشيء ما من أشياء العالم الواقع دليل على وجود ذلك الشيء كما هو في ذاته خارج الذات الواعية له، فمعرفة الإنسان للشيء الذي يدركه هي صورة تمثل ذلك الشيء تمثيلا صحيحا، على أن الإنسان إذ يتصل بالأشياء ليدركها، فإنما يتصل بها اتصالا مباشرا لا تكون فيه حلقة وسطى بين الذات العارفة والشيء المعروف، فإذا كنت - مثلا - أدرك هذا القلم في يدي وهذه الورقة أمامي، فلا بد أن يكون القلم والورقة موجودين وجودا حقيقيا لا يجوز الشك فيه.
فإذا سأل سائل - كما يسأل الفلاسفة: ومن ذا أدراك حين تعي مجموعة من الصفات مجتمعة، كلون القلم وشكله وصلابته بين أصابعك، أن هذه الصفات إنما اجتمعت في شيء خارجي له وجود مفارق لوجود أفكارك الكائنة في ذهنك أنت؟ أليس كل ما تعرفه معرفة مباشرة هو خبرتك أنت التي هي في دخيلة نفسك؟ فما الذي يسوغ لك أن تجاوز هذه الخبرة الداخلية المباشرة لتزعم أن شيئا خارجيا يقابلها؟ أقول إنه إذا سأل سائل سؤالا كهذا، أجاب سانتيانا بما أسماها «الإيمان الحيواني» أو إن شئت فقل: «الإيمان الفطري»؛ ففي كيان الإنسان الفطري مثل هذا الإيمان الذي يؤمن به أن معرفته الداخلية صورة من عالم خارجي موجود وجودا حقيقيا، على اختلاف ما بين الجانبين: فالجانب الداخلي وعي وعقل والجانب الخارجي مادة.
وقد يعود السائل المعترض فيسأل: هل كل ما في الذهن من أفكار يقابله وجود حقيقي في العالم الخارجي؟ ألا يكون في رأس الإنسان أحيانا أفكار ذهنية صرف، لا يقابلها في الخارج أشياء؟ وهنا يجيب سانتيانا: نعم إن أمثال هذه الحالات التي تكون فيها الأفكار بغير مقابل خارجي لا شك في قيامها، ولكن ليس فينا من لا يفرق بين هاتين الحالتين: حالة الفكرة التي يقابلها في الخارج شيء عيني، وحالة الفكرة التي لا يقابلها شيء، ولولا الإيمان الفطري الذي ذكرناه، لما استطاع الإنسان أن يفرق بين هاتين الحالتين عندما تكون الفكرتان داخل الرأس على حد سواء.
أما بفضل هذا الإيمان الفطري فترانا نفرق بين وجودين: وجود عيني يقابل الأفكار ذوات المسميات الخارجية، ووجود ذهني لمدلولات الأفكار الأخرى التي نعرف أن ليس لها مسميات خارجية.
والفرق الجوهري بين الوجودين: الفكري من جهة والفعلي من جهة أخرى، هو نفسه الفرق بين ما كان أرسطو قد أسماه بالوجود بالقوة والوجود بالفعل؛ فالأول وجود بالإمكان فقط، مستعد لأن يخرج إلى الفعل إذا ما توافرت الظروف المواتية، والثاني وجود متعين متجسد في أشياء واقعة. وواضح أن الموجودات الممكنة أكثر عددا من الموجودات الفعلية، لأن تصور العقل للممكنات لا نهاية له ولا حدود، وأما الموجودات الفعلية فمقيدة بالواقع الكائن المتحقق، فكل موجود فعلى كان من قبل موجودا ممكنا، ثم تحقق، ولكن ما كل موجود ممكن سيلتمس سبيله إلى التحقق الفعلي، ومعنى ذلك أن العالم في صورته الواقعة ليس هو العالم الوحيد الذي كان يمكن أن يكون، بل هناك عوالم أخرى لا نهاية لعددها، يمكن أن نتصور قيامها، وما العالم الفعلي إلا واحد من تلك الممكنات، امتاز من دونها بكونه قد خرج من الإمكان إلى الواقع المتحقق.
هناك إذن عالمان: عالم الممكنات وعالم الأشياء المتحققة، وهذا العالم الثاني مسبوق دائما بالعالم الأول؛ إذ محال على شيء أن يتحقق وجوده في العالم المادي إلا إذا كان قبل ذلك فكرة في عالم ما هو ممكن، حتى إذا برزت إلى الوجود الفعلي حفنة من بحر الممكنات الزاخر، كان لنا بذلك ما نسميه «بالحق»، فما «الحق» إلا الممكن الذي تحقق ظهوره بالفعل، ولكننا قلنا إنه كان يمكن لغيره من الممكنات أن يظهر بدل هذا الذي ظهر فعلا وأصبح «حقا». وإذن «فالحق» أمر عرضي لا تحتمه الضرورة العقلية المنطقية، وأعني بذلك أنه لم يكن هناك ما يحتم أن يظهر هذا الذي ظهر دون سواه، أي أن ما نصفه بأنه «الحق» كان يجوز ألا يحدث حدوثا فعليا، وعندئذ كان غيره هو الذي سيوصف بأنه «الحق».
Unknown page