Min Wara Minzar
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Genres
وكان خزيي أمام الأجانب وخزي الراكبين جميعا مما فعل الشرطي أعظم من خزينا مما فعل ذلك الفتى المدل بقوته، ولعله خاف أن يقرب من الدب كما خاف غيره، وأمره في ذلك أدهى وأمر ...
وعدت أقول لنفسي كما قلت في موضع سابق: متى تشيع فينا الآداب الاجتماعية؟ ومتى نحس بالوسط الاجتماعي؟ ... ورجوت أن ينسى هؤلاء الأجانب هذا الحادث وأشباهه إذا حدثوا قومهم عن مبلغ ما وصلنا إليه من المدنية، فبهذا الذي تقع عليه أعينهم بيننا تقاس المدنية، كما رجوت ألا يحكموا على شرطتنا جميعا بما رأوا من هذا الشرطي الهمام الذي لن يوجد ند له في لندن ذاتها فيما أعتقد، في سرعة خاطره وحسن تصرفه وسعة حيلته ... اللهم إني أستغيثك ... اصرف عنا الأذى يا أرحم الراحمين ...
حلاقو القاهرة ...!
لا تفهم يا قارئي العزيز أني أعقد لك فصلا تاريخيا عن منظر من مناظر القاهرة العظيمة في زمن ابن طولون، أو في زمن الحاكم بأمر الله أو في زمن قلاوون عليهم رحمة الله، فإني لا أكتب إلا عما يقع عليه منظاري، وإنما أنا محدثك عن منظر من مناظر هذه العاصمة الكبيرة قبيل منتصف القرن العشرين.
ولا تتوهم أني فيما أصف لك أذهب بك إلى تلال زينهم، أو إلى أعلى الدراسة أو إلى جوار المحمدي أو إلى ما وراء سيدي الحلي؛ فإنك قد تنكر علي ما أقول لجهلك فيما أظن بمظاهر العيش في هاتيك البقاع ... على أنه قد لا يكون جهلك بها أكثر من جهلي.
وإن لك في أقرب شوارع المدينة غنية عن الذهاب إلى أطرافها، فسر في شارع ماسبيرو على ضفة النيل أو في شارع شبرا، حيث المدرسة التوفيقية أو في شارع الملكة نازلي أو حول حديقة الأزبكية، وانظر ماذا ترى.
لا شك أنك رأيت هؤلاء الحلاقين الذين يتربعون على الأرض أو على الأسوار، ويأخذون في حلق رءوس زبائنهم ولحاهم في صورة تدعو إلى الاشمئزاز والأسف والضحك جميعا.
وقفت على مقربة من أحدهم ورأيته وقد شمر عن ساعديه وأمسك بالموسى ودعا إليه من زبائنه الجالسين حوله من جاء دوره، ومثل الرجل بين يديه وله لحية ما أحسبه أجرى عليها الموسى منذ مثل هذا اليوم من العام الماضي، ووضع الحلاق كفه في إناء بجواره، فاغترف غرفة من الماء بيده ورشها على تلك الأشواك الكثيفة في وجه صاحبنا وأجرى عليها قطعة من الصابون، ثم شحذ الموسى على ذراعه بأن حكها عدة مرات في سرعة عجيبة، ولما استيقن مضيها راح يقطع هذه الأشواك، ثم يمسح ما تجمع منها على حافة سلاحه، في ظهر يساره، أو يأخذها على سبابته، ويقذف بها في الجو لا يبالي أين تقع ولا من تصيب برشاشها من عباد الله!
ونظرت إلى الحلاق وزبائنه أتبين ما إذا كان يخالجهم شيء من المبالاة، فلم أصب في وجوههم إلا مثل ما يرى في وجوه الحيوانات من عدم المبالاة فيما تأتيه من أعمالها جميعا على أعين الناس؛ وكأن هؤلاء جلوس في دكان لا تقتحمهم فيه الأعين!
وهممت أن أدور بمنظاري عن هذا المنظر الذي لست أدري لم وقفت إليه تلك اللحظة، وقد كنت أبدا أمر به مسرعا، وإني لأضيق به أشد الضيق، وكأن الظروف أرادت أن تكيد لي أشد الكيد، فلا تقلع عن معاندتي حتى في مثل هذا الموقف التافه، فهذا أجنبي مقبل ومعه سيدة وفي يده آلة تصوير، وإنه ليضحك ملء شدقيه كأنما يقع من الحلاق وزبائنه على بغية طالما تمناها.
Unknown page