Min Naql Ila Ibdac Tanzir
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٣) التراكم: تنظير الموروث قبل تمثل الوافد - تنظير الموروث - الإبداع الخالص
Genres
16
فالموضوع داخلي وليس خارجيا في صلب التأليف، الصلة بين الفلسفة والدين أو بين العقل والنقل بلغة المتكلمين أو بين الحكمة والشريعة بلغة ابن رشد. وهو نفس موضوع «فصل المقال» ولكن سلبا، نقد الأشاعرة. «فصل المقال» الإيجاب، الصلة بين العقل والوحي في النظر وهو القياس الشرعي و«مناهج الأدلة» هو السلب، سوء استخدام العقل في الوحي كما تفعل الأشاعرة.
وقد تحدث ابن رشد عن أفلاطون وأرسطو في سياق واحد، في حديثين عن فلاسفة المسلمين، ابن سينا والجويني، حصارا للوافد بالموروث. فقد ذكر أفلاطون وأرسطو قضية خلافية، الجائز محدث، اختلف فيها. فهي مقدمة غير بينة بنفسها، أجازه أفلاطون أزليا، ومقدمه أرسطو. ولا حل له إلا في الموروث عند أهل البرهان الذين خصهم الله بعلمه وقرن شهادته بشهادتهم وشهادة الملائكة. يبدو أفلاطون ميتافيزيقيا شاعرا يجمع بين نقيضين في الظاهر. في حين يبدو أرسطو عقليا عالما لا يذهب إلى ما وراء الاتساق الفعلي والتصور المنطقي. وهنا يبدو ابن رشد أشعريا صوفيا لاعتبار أهل البرهان هم العلماء الذين خصهم الله بعلمه، أنصار العلم اللدني.
17
وقد ذكر جالينوس مع سائر الحكماء لتأييد موقفه في عناية الله بالعالم ووضع جالينوس القوى في الأجسام لتدبير الحيوان. هي قوى من وضع الله في الأجسام للتغذي والإحساس وإلا لبطلت الأجسام ولما تبقت ساعة واحدة بعد إيجادها. لا فرق إذن بين الوافد والموروث بين جالينوس وابن رشد في القول بالعناية الإلهية.
والوحي عند العرب مثل الحكمة عند اليونان. أعطى الوحي الشريعة لبيان طريق السعادة والمعرفة، لا بصناعة ولا حكمة بل بوحي من الله على لسان النبي. جاء الوحي لنبي أمي في أمة أمية لم تزاول العلم ولا الحكمة ولم تفحص في الموجودات كما فعل اليونان وغيرهم من الأمم. فلم تكن الحكمة قاصرة على اليونان وحدهم بل كانت عادة عند الكثير من الشعوب، ووصلت إلى ما وصلت إليه من كمال. وظيفة الوحي وغايته مثل وظيفة الحكمة وغايتها. ويستشهد ابن رشد في ذلك بآيات ثلاث.
18
وقد ذكر الحكيم تحولا من الشخص إلى الرمز، ومن الاسم إلى اللقب استشهادا بقوله عن ارتباط الرؤية بالعين في كل عمر في سياق ضرب المثل بفساد الآلة أي النفس في حالة النوم.
و«مناهج الأدلة» أكثر مؤلفات ابن رشد إن لم تكن المؤلفات الفلسفية على الإطلاق اعتمادا على الموروث الأصلي للقرآن الكريم والحديث النبوي حتى يمكن دحض الأشعرية بالنص، نصا بنص، ونقلا بنقل، وسلطة بسلطة. ولأنه فقيه يعود إلى الأصل سواء كان في الوافد أو في الموروث. ويمكن تجميعها في عدة موضوعات رئيسية بالرغم من تناثرها.
اعتراف العرب كلها بوجود الله لأنها معرفة فطرية بديهية في النفس لا تحتاج إلى دليل لإقناع النفس بها. ومع ذلك يدعو القرآن الناس إلى النظر بأدلة عقلية منصوص عليها والتصديق بوجود الباري. وهو طريق إبراهيم، طريق الخواص لمعرفة الله يقينا، من الحركة إلى السكون، ومن التغير إلى الثبات نفيا للألوهية عن الأجرام والكواكب. ومع ذلك لم يتحقق الشرع مع الجمهور في قدم الإرادة أو حدوثها بل صرح بألا تظهر أنها حادثة لأن الجمهور لا يفهم صدور الحادث من القديم. وفي نفس الوقت يحتج الصوفية لإثبات طريق الذوق بظواهر الشرع فيهدمون النظر من أساسه. فالمعارف الضرورية من علم الأقل كما هو وارد في النص.
Unknown page