Min Naql Ila Ibdac Tanzir
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٣) التراكم: تنظير الموروث قبل تمثل الوافد - تنظير الموروث - الإبداع الخالص
Genres
17
ولما عاشت الحضارة الإسلامية على ذاتها، تجتر ما أبدعته أولا بالعقل كي تدونه ثانيا من الذاكرة ظهرت الشروح والملخصات والحواشي والتخريجات على نص قديم تقلل من تجريده وتضيف إليه مواد من العلوم النقلية السائدة خاصة الفقهية أو العقلية النقلية خاصة الكلام والفلسفة بعد أن اتحدا معا في هذه العصور المتأخرة. فشرح قطب الدين محمود بن محمد الرازي (766ه) «الرسالة الشمسية» في «تحرير القواعد المنطقية» ثم أضاف إليه السيد الشريف الجرجاني (816ه) «حاشية على تحرير القواعد المنطقية» على النحو الآتي:
وفي الشرح والحاشية توضع مادة الفكر على صورته. ويضاف حد الفلسفة للمنطق ثم إخراج المنطق من الآيات القرآنية.
18
فالمنطق آلة تعصم الذهن من الخطأ. إنما أتت أغلاط الفلسفة من سوء تطبيقها كما لاحظ الغزالي من قبل في «مقاصد الفلاسفة». وقد تأتي المادة من الطبيعيات مثل «الحكمة السعيدية» أو من الإلهيات سواء من الفلسفة نموذج «المثل الأفلاطونية» أو من الفلسفة الإلهية عند ابن سبعين. كما يستعمل الموروث الديني لشرح ألفاظ المنطق مثل امتناع الكلي في الخارج كشريك الباري عز اسمه، وأن الوجود واحد مع امتناع غيره كالباري عز اسمه، وأن الوجود غير متناه كالنفس الناطقة. كما يستعمل القرآن الحر كأمثلة في القضايا. هذا بالإضافة إلى البدايات والنهايات الإيمانية التقليدية، البسملة والحمدلة، مع ظهور صفات الله المنطقية مثل واهب العقل، والصلاة على محمد وآله، منجي الخلائق من الغواية، وأصحابه من أهل الدراية.
19 (7) الجرجاني
واستمرت الشروح المتتالية على نفس النص العمدة في القرنين التاسع والعاشر مثل «الغرة» للجرجاني (816ه) مع «شرح خضر بن محمد بن علي الرازي» (850ه) و«شرح عيسى بن محمد بن عبد الله الإيجي الصفوي» (953ه).
20
ازدهر المنطق بعد ابن رشد خاصة في المشرق عند الشيعة. ومن ثم يخطئ الحكم الشائع أن الشروح والملخصات خالية من الإبداع. يكفي قدرتها على التجريد والتنظير وبناء الموضوع اعتمادا على العقل وحده، واختفاء روافد الوافد والموروث إلا من استعمال بقايا الموروث في اللاوعي المعرفي من علم الأصول بشقيه، أصول الدين وأصول الفقه مع بعض تحليلات اللغة العربية، الموروث الثقافي المستمر. يغيب الوافد كلية باستثناء الحديث عن القدماء والمتأخرين أي الأوائل والأواخر في مسار تاريخي عام دون تحديد لليونان أو لغيرهم من الغرب أو الشرق. ولا يذكر فخر الدين الرازي إلا مرة واحدة باعتباره من البيئة الثقافية للمنطقة. كما تظهر بعض المصطلحات الموروثة مثل الخبر . ولا يوجد فصل بين النص المشروح والنص الشارح بل الشرح إعادة كتابة للمشروح، إعادة فهم وإعادة عرض وإعادة تأليف دون الخروج على بنيته بل بتتبع مساره من البداية إلى النهاية. ويسمى ذلك «شرح مخروج» أي إعادة كتابة دون فصل بين النصين كما هو الحال في «تفسير ما بعد الطبيعة» لابن رشد وفي باقي التفاسير الأخرى. ولا تذكر أسماء أعلام من الموروث بل مجرد الألقاب مثل الإمام، السيد، خطوة على تحويل العلم إلى بنية مستقلة عن العلماء.
21
Unknown page