203

Min Naql Ila Ibdac Talif

من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث

Genres

وهو كتاب تجميعي شامل، يبدأ بالفلك وينتهي بالطب والكيمياء. يعتمد على نصوص سابقة يعاد توظيفها واستخدامها في الهدف الجديد الذي يعبر عنه العنوان، كشف الأسرار الخفية في علم الأجرام السماوية. وقد يساهم الناسخ في التجميع؛ فالهدف هو ملء القالب وليس المادة. ويبدو ذلك في الجزء الرابع عن الحروف الرقمية المقتبس من كتب أخرى لنفس المؤلف، مثل كتاب الاقتباس.

تغيب عنه البنية، ويخلو من الأبواب والفصول، بل يخلو من ترقيم الصفحات، مكتوب بخط اليد، بالأسود والأحمر، وعلى ورق مطرز محشي بالزخارف، مملوء بالرسوم التوضيحية والجداول بالحروف والأرقام. وتتخلله عبارات غامضة مثل عبارات «شمهورش » في الثقافة الشعبية لتوحي بعالم الأسرار وحديث الجن. ويعتمد على أسرار الحروف. وهو ما يوحي به الجزء الأخير من العنوان «والرقوم الحرفية»، والتقابل بين أسرار الحروف وأسرار الأرقام.

ولا يخلو الكتاب من سجال ضد علم النجوم كعلم طبيعي ينكر أن تكون الأفلاك كائنات حية ناطقة. لم يستمر من الفلسفة القديمة المنطق، بل من أضعف أجزاء الطبيعيات، وهو علم التنجيم، بالرغم من تفرقة الفارابي في البداية بين العلمين، ونقد علم التنجيم في «ما يصح وما لا يصح من أحكام النجوم». ولا يظهر من موضوعات الفلسفة القديمة إلا فيما ندر، ودون أساس علمي أو فلسفي، مثل علم الله بالجزئيات.

ويخاطب المؤلف القارئ على عادة المؤلفين المسلمين، خاصة إخوان الصفا، من أجل تجنيده للدعوة؛ فليس الهدف هو المعرفة النظرية، بل الإرشاد العلمي.

ويحال إلى أعمال أخرى مشابهة؛ مما يدل على أن «كشف الأسرار المخفية» ليس حالة فريدة أو مؤلفا واحدا، بل يدل على تيار عام في القرون المتأخرة، في الفترة الثانية من تطور الحضارة الإسلامية ما بعد ابن خلدون التي حلت فيها الذاكرة محل العقل، والشرح محل المتن، والخيال بدل الواقع، والخرافة بدل العلم.

44

وكما بدأ العرب شعراء، ثم أصبحوا مفكرين وعلماء، انتهوا إلى شعراء؛ فغلب الشعر على العلم، ووجد العرب في ثقافتهم الأولى هويتهم الأخيرة، وكأن العلوم القديمة التي نشأت في الفترة الأولى للحضارة الإسلامية كانت مجرد قوسين كبيرين.

الهدف منه السيطرة على عالم الأفلاك والكواكب من أجل إعادة السيطرة على العالم عن طريق أثر الأعلى في الأدنى، وعالم السماء في عالم الأرض، والروح في البدن؛ فالعجز عن تأسيس العلم الطبيعي والسيطرة على العالم يتحول إلى التأثير فيه عن طريق السحر من خلال الكواكب والأفلاك، والملائكة والأرواح، والجن والشياطين، كما هو الحال في قراءة الطالع، والسعود والنحوس، طبقا للأبراج في الثقافة الشعبية؛ لذلك تظهر لغة الملوك والسلاطين والرؤساء كما هو الحال عند الصوفية وألقاب الأقطاب والأبدال؛ فمنهم تنشأ السلطة وتصدر الأوامر، وما على الناس إلا السمع والطاعة. ويكثر استعمال لفظ «التسخير»، وهو مفهوم قرآني، تسخير الله الطبيعة لصالح البشر عن طريق العلم بقوانين الطبيعة، وهنا عن طريق السحر وتأثير القوى الروحانية في مسار الطبيعة وأحداث الواقع والتاريخ.

كلها إسقاطات إنسانية. غياب الواقع وحضور الوهم. لا فرق بين الدنيا والآخرة، بين الخلق والبعث، بين المادة والروح، بين التنزيل والتأويل، بين الذهاب والإياب في إطار حركة كونية روحية للخلاص؛ مما يأذن بنهاية الفترة الثانية في تطور الحضارة الإسلامية وبداية فترة ثالثة في أعقاب التحرر من الاستعمار الحديث والصلة بالوافد الغربي الجديد.

Unknown page