Min Naql Ila Ibdac Talif
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
Genres
ويسمي الكندي أصحاب المقالات في علم الهيئة المتكلمين، وهو لفظ موروث لتمثل الوافد؛ ومن ثم يصبح القدماء أشبه بفرقة كلامية ما دامت قد انتشرت أقوالها في الداخل، وكأنها من الفرق غير الإسلامية. يدرس الكندي الموضوع، فإذا ما اتفق مع القدماء أشير إليهم، خاصة إذا كان القدماء من المنجمين؛ أي من العلماء غير العلميين. وقد يرجع اختلاف العلماء إلى اختلاف الأسماء على نفس المسميات.
11
وواضح أن المراجعة تتم أولا في العلم اليوناني قبل أن تكون في الفلسفة اليونانية، وأن تمثل الوافد كان أولا للعلم قبل أن يكون للفلسفة؛ فقد كان الكندي طبيبا ورياضيا وطبيعيا وفيلسوفا، يدرس الطبيعيات والرياضيات دراسته للإنسانيات والإلهيات.
وصلة القدماء بالمحدثين صلة الأصول بالفروع، وهما مفهومان أصوليان؛ فقد وضع القدماء القواعد وبنى المحدثون عليها، وهي نظرة أيضا أصولية، الأصل والفرع في القياس الشرعي. يضع القدماء المقدمات ويستنتج المحدثون النتائج، والبحث بلا مقدمات لا يؤدي إلى شيء، ومضيعة للعمر والوقت. وإن ظهور تعبيرات، مثل القدماء المبرزين من المتفلسفين قبلنا من غير أهل لساننا، حكماء القدماء من غير أهل لساننا، القدماء من اليونانيين، الحكماء القدماء، المتقدمين، القدماء من حكماء اليونانيين، لأكثر ذكرا من أعلام اليونان، أرسطو وأفلاطون وسقراط وبطليموس وأيسقلاوس والإسكندر. يحيل الكندي إلى القديم من أجل تأصيل الجديد، ويتمثل الوافد من أجل تنظير الموروث فيما بعد بصرف النظر عن الأشخاص، وهو وعي تاريخي حضاري عام يكشف عن تفاعل الحضارات، وليس تبعية مفكر لمفكر، أو إعجاب فيلسوف بفيلسوف، أو عشق حكيم لحكيم، كما يفعل الباحثون في هذا العصر. (ه) وفي «الجواهر الخمسة» يذكر الكندي من المجموعات الفلاسفة واختلاف آرائهم في الزمان دون ذكر لأفلاطون أو أرسطو، كما فعل في المكان. قال بعضهم إنه الحركة ذاتها، بينما أنكر ذلك البعض الآخر. ثم يتحقق الكندي من صواب أحد القولين أو خطئه دون الاعتماد على أفلاطون أو أرسطو، أو ذكر لهما أو لغيرهما. يحكم الكندي على الأقوال ويفصل بينها كما يفصل الإسلام مع باقي الديانات، وكما يفعل القدماء مع الكتب السابقة، حكما وفصلا للخطاب،
مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ، وكما يفعل ابن رشد القاضي للفصل بين المتخاصمين وهم الشراح. ويحيل إلى شرحه لكتاب المقولات؛ أي إلى الأنا متمثلا الوافد، وليس الوافد مباشرة كما هو الحال في العرض.
12
ويشير الكندي في «الجواهر الخمسة» إلى أرسطو (مرتين)، وأفلاطون (مرة واحدة)، وربما استعمل الكندي لأول مرة صياغة «قال» الحكيم أرسطوطاليس بداية بالقول، وليس بداية بالشيء، ووصفه بأنه الحكيم احترام له. وسبب الاحترام أن الحكمة ضالة المؤمن، والحكيم من صفات الله؛ فأرسطو مر على الإسلام أولا. ويقدم الكندي قراءة إسلامية لأرسطو اليوناني، ويحدد الموضع الذي قال فيه أرسطو ذلك توخيا للدقة، واستشهادا بعلم مدون، وليس فقط برأي شخص عن هوى أو ظن، ثم يظهر أفلاطون مع أرسطو في تعريف المكان، واختلاف الفلاسفة فيه سبب غموضه وخفائه؛ فبينما أنكره البعض، قال البعض الآخر مثل أفلاطون إنه جسم، وقال فرد ثالث إنه ليس بجسم، وقال أرسطو إنه موجود وبين. لم يذكر الكندي إذن أفلاطون وأرسطو بشخصيهما، بل لأنهما يمثلان رأيين بنيويين في المكان، وليسا مقصورين عليهما فقط، بل يشاركان فيهما غيرهما من الفلاسفة. ويستعمل الكندي عبارة «أما أرسطوطاليس»؛ أي إنه قد يكون لديه القول الفصل في النهاية، ثم لا يترك الكندي لأرسطو هذا القول الفصل في النهاية دون توضيحه والكشف عنه بمزيد من البرهنة. هناك إذن تحقق ومراجعة، وليس تبعية أو تقليدا.
13
والانتقال من القديم إلى الحديث هو انتقال من الغموض إلى الوضوح، ومن الصعوبة إلى السهولة، وكان تطور الحضارات كما برز في تطور الفلسفة هو نحو مزيد من الإيضاح والسهولة.
14
Unknown page