Min Naql Ila Ibdac Tadwin
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
Genres
كما تهدف المقارنات مع الغرب الإعداد للخاتمة «من اليونان القديم إلى الغرب الحديث»؛ فقد كان الهدف «من النقل إلى الإبداع» بيان التقابل بين إبداع القدماء ونقل المحدثين. فلا فرق بين سقراط وأفلاطون وأرسطو بالنسبة إلى القدماء وبين ديكارت وكانط وهيجل بالنسبة إلى المحدثين. تعامل القدماء مع اليونان وبين الاثنين ما يزيد على ألف ومائتي عام، أربعمائة قبل المسيح وثمانمائة بعده حتى عصر الترجمة، في حين نتعامل نحن مع الغرب الحديث والمسافة الزمانية ليست بعيدة بيننا وبينه منذ الإصلاح الديني في القرن الخامس عشر وعصر النهضة في السادس عشر؛ أي أربعمائة أو خمسمائة عام على الأقل، ثلث الزمن الذي كان بيننا وبين قدماء اليونان. فالموضوع واحد بيننا وبين القدماء مع اختلاف الآخر، الآخر اليوناني قديما والآخر الغربي حديثا. واليونان في النهاية أصل الغرب. كما تهدف الإحالات إلى الغرب في أسفل الصفحات إلى وضع الغرب في إطار إسلامي بدلا من وضع الفكر الإسلامي في إطار الفكر الغربي إلى أن يعاد كتابة تاريخ الفكر الغربي في إطار لا غربي، وكما تمت محاولة من قبل في «مقدمة في علم الاستغراب». كما تهدف هذه الإحالات إلى بيان كيف تكون علوم الأنا هي علوم الغايات، بينما علوم الآخر هي علوم الوسائل.
وحتى يمكن تطوير الدراسات العليا ووضع خطة مستقبلية لها في ميدان الدراسات الفلسفية، تم التنبيه على بعض الموضوعات أسفل الصفحات تستحق التطوير والدراسة في خطة متكاملة لإعادة بناء العلوم القديمة بوجه عام وعلوم الحكمة بوجه خاص؛ فمشروع «التراث والتجديد» ما هو إلا نموذج لمشروع رؤية للدراسات الإسلامية الجديدة تطويرا للدراسات القديمة وحلا لأزمتها موضوعا ومنهجا.
إن هذه المقدمة الطويلة تصور الوضع الراهن لعلوم الحكمة كمدخل طبيعي لهذه المحاولة التي تجمع بين رصد الماضي وإبداع الحاضر، بين تحليل نقل القدماء ومحاولة إسهام المحدثين.
98
الباب الأول: التدوين
الفصل الأول
التاريخ
أولا: دراسة التاريخ
هناك فرق بين تاريخ الفلسفة الذي يقوم به المؤرخون راصدين تطورها التاريخي على نحو زماني خالص، ناظرين إليه من الخارج، فهم ليسوا فلاسفة محدثين ولا قدماء، وتاريخ الفلسفة الذي يقوم به فلاسفة محدثون أو قدماء، فهم فلاسفة يؤرخون لتاريخ الفلسفة، لهم رؤية ومنهج، ولهم غاية وهدف، شعوري أو لا شعوري، عن وعي أو عن لا وعي. هو تدوين للتاريخ يقوم على فلسفة في التاريخ، وليس مجرد رصد زمني لأعلامها. وعندما تؤرخ الفلسفة لنفسها عن طريق فلاسفتها، فإن ذلك بداية الوعي التاريخي والتراكم الفلسفي. ترى الفلسفة نفسها في التاريخ، وتؤرخ لنفسها بنفسها منذ البداية حتى الذروة. وعندما يؤرخ المؤرخون للفلسفة، فإن ذلك يكون بداية النهاية، توقف الوعي التاريخي الفلسفي عن الإبداع واكتماله في مرحلة تدوين الفلسفة لذاتها. البداية من الداخل والنهاية في الخارج. البداية ذات واعية، تاريخها جزء من إبداعها، والنهاية موضوع متحجر تحول إلى متاحف التاريخ.
1
Unknown page