Min Naql Ila Ibdac Tadwin
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
Genres
بل إن الناسخ أيضا يضيف البسملات والحملات والصلوات من عنده، ذاكرا مذهبه الفقهي ونسبه طالبا المغفرة له من الله ولمشايخه ولجميع المسلمين والمسلمات مع ذكر تاريخ النسخ ثم التوكل على الله. وبقدر ما يتم تعظيم السلطان، يتم تحقير الناسخ «أفقر عباد الله وأحوجهم إلى لطف ربه الخفي. هو العبد الفقير الذليل المعروف بالعجز والتقصير راجي عفو ربه القدير مع ما ليس المغفرة له ولوالديه وللمسلمين آمين.» وقد يضاف الموطن والمذهب الفقهي والطريقة الصوفية. كما يضيف المالك من عنده أحواله واسمه ولقبه وإيمانه طالب رضا الله ومغفرته. ويحقر نفسه كالناسخ «الحقير شنودة»، ومكانه في مصر المحروسة، طالب العفو عن سيئاته مستشفعا بالست مريم العذراء البتول وكافة الشهداء والقديسين، آمين آمين.
35
وكتاب «الطلسمات» لأرسطاطاليس الفيلسوف وهو الموسوم بكتاب الأسرار، ترجمة إسحاق بن حنين، كتاب منحول، صغير الحجم (لا يتجاوز صفحتين)، والدليل عليه الموضوع نفسه الذي يكشف عن بيئة الانتحال وليس بيئة أرسطو، بالإضافة إلى الحديث عن الله عز وجل ونهايته الإيمانية، «والله جل وعز واهب منحته وولي حكمته، لا إله إلا هو الكبير المتعال.»
36
خامسا: الانتحال الأفلوطيني (اليوناني)
وكتاب «إيضاح الخير المحض» لأبرقلس نموذج آخر للنصوص الأفلاطونية المحدثة بين النقل والإبداع، بين الترجمة والتلخيص والشرح والانتحال والتأليف. له أسماء عديدة مثل «كتاب الخير الحصي»، «كتاب العلل». وهي أسماء كلها من نص المضمون تضعها الحضارة إبداعا لا نقلا لأنه يبحث في فيض الخير الأول وفي خروج الموجودات عن العلة الأولى.
1
ولا يهم من مؤلفه التاريخي. فلا يوجد لعمل جماعي ينتجه روح العصر وتبدعه روح الحضارة مؤلف تاريخي واحد. المؤلف هي الفلسفة الإشراقية التي عبر عنها أفلوطين وأبرقلس والفارابي وابن سينا والشرق القديم والفلسفة اليهودية (فيلون) والفلسفة المسيحية. وهو نفس مؤلف «العلل الأولى والثواني والفيض الصادر عنها». وهو نفس مؤلف «رسالة النفس»، فالروح تبدع أكثر من نص وتنسبه لأكثر من مؤلف نظرا للإبداعات المتكررة وضرورة نسبتها إلى أشخاص. المهم الفكرة والموقف وليس الشخص والمؤلف.
2
وتتسم بالأسلوب العربي التلقائي السليم، بل وأجمل لغويا من النصوص التي يؤلفها أشخاص بأعينهم مثل الفارابي وابن سينا. فالتأليف الجماعي من روح الحضارة أكثر إبداعا من التأليف الفردي. ويبدو ذلك على مستوى جماليات التعبير. وقد جرى اصطلاح «الخير المحض» على أقلام الفلاسفة المسلمين قبل القرن السادس الهجري.
Unknown page