Min Naql Ila Ibdac Tadwin
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
Genres
44
فالحكمة مضادة للجهل، تطلب عن طريقها. والجاهل من جهل صورة الجهل. ومن عرف صورته كان عاقلا. واثنان يهون عليهما كل شيء، الحكيم الزاهد، والجاهل الذي لا يدري ما هو فيه. والحكيم الفاضل بالطبيعة، والمتحكم فاضل بالصناعة. والجاهل يتوهم أن البهائم تفعل مع أي انطباع للمحسوسات في الحس المشترك ليس علما، وحذرها لا يعني تعقلها.
والعجيب أن يكون هناك انتحال في المنطق، وهو العلم المجرد. إلا أن الانتحال فيه هو القدرة على الإتيان بمثله أولا ثم نقله من مستوى العقل الصوري الخالص إلى مستوى الإلهيات، ثم من الإلهيات إلى الإنسانيات كما هو الحال عند إخوان الصفا.
فمثلا يربط الانتحال بين المنطق والهندسة. فالخط المستقيم ذو وسط والخط المستدير ذو وسطين. كما أن القضية لها وسط. فالقضية في المنطق هي الخط في الهندسة. وتستطيع أفاعيل المنطق في الفكر الكشف عن أفاعيل الصور الروحانية. فالمنطق فعل روحاني.
ويتم الانتحال في مجث الحد. فالحد إجراء العلة في المعلول بنوع منطقي، جمعا بين الاستنباط والاستقراء. وحد الأشياء في الصناعات يؤخذ من مبادئها وغاياتها. وكل ما حد بحد طبيعي فإيضاحه في حده. وكل ما حد بحد صناعي فإيضاحه خارج حده. والحد الذي يستدل منه على الشيء يستدل به على ضده. وعلى طالب الحد استقصاؤه حتى لا يخرج منه شيء. والجوهر لا يزاحمه في ذاته ضد. وهو قائم بذاته، المحيط بالحد، تماميته خارجه كأعراض. وهو مستغرق لحد ذاته. ليس بسيطا ولا جسمانيا. والجوهر يجزئه المنطق دون أن يتجزأ في ذاته. والشيء يوصف من ذاته أو من خارجه. وتتداخل الأسماء الخمسة بأسماء متعددة كالصور. فالصور ثلاث: اثنتان مبسوطتان، يتجزأ عندها المنطق، وواحدة مركبة لا يتجزأ عندها المنطق. الصور بين المنطق والطبيعة. ويختلف الشيء عن الآخر في الصورة. فيكون فعلا أو جنسا، والفصل بالخاصة. وهو لا يفصل الجوهر إلى غير وغير وإلا لما كان جوهرا. والواحد واحد، لا من جهة الكثرة في الجنس. والاثنان اثنان من جهة الفصل. وإذا لزم التحيز لزم الفصل. والصعود في الجنس من الكم إلى الكيف إلى الجوهر لرؤية الحق في كماله. هنا يمحى الفرق بين المنطق والطبيعيات والإلهيات.
45
وينتقل الانتحال إلى التصديق، من التصورات إلى القضايا. فالكل يفعل في الأجزاء، ولا تفعل الأجزاء في الكل. لا تبعث الأجزاء الكليات بل الكليات تبعث الأجزاء. إن تجزأ الجزء فليس بجزء، وإن تجزأ الكل فجزؤه متجزئ كما قال أفلاطون في «فادن». وجزء الفعل مطلوب في الحد. والجزء والاتفاق على الموضوع يسهل بعده الاتفاق على المحمول. الكل غاية الكثرة. والوحدة غايتها كما بين أرسطو في الرد على زينون السوفسطائي. هنا يتداخل التصديق بين منطق القضايا ومنطق الوجود بالاعتماد على أرسطو. والقياس توصيل الفرع بالأصل. والذكاء سرعة تخيل الشخص ومبادرته إلى الحد الأوسط من حدي النتيجة. وهو الذي توجد به مقدماتها. القياس فعل من أفعال النفس. مبدؤه ظاهر، يؤدي إلى غاية لم تكن ظاهرة. القياس هنا أقرب إلى أفعال الشعور منه إلى القياس الصوري وأشكال القضايا وأنواع المقدمات والنتائج.
ويستمر الانتحال في منطق الظن كما كان في منطق اليقين. فالصناعات ثلاث: أن يكون الكلام أكثر من الفعل، وهي الخطابة، أو أن يكون الفعل أكثر من الكلام وهو الطب، أو أن يكونا متساويين فهي الموسيقى، وهي أشرف الصناعات. فالمنطق نظر وعمل، عقل وتجربة، طب وموسيقى.
46
وفي الطبيعيات تبرز قضية التناهي. فلا يكون اثنان بلا نهاية على عكس الواحد الذي لا نهاية له. للأشياء نهاية، وإن كانت بلا نهاية فهي الدهر. والعالم لا يزول لأنه ليس له أضداد. والضد يدخل على ما هو بالقوة فيفسده وهو فاضل بذاته لأنه مصور ومتمم، غاية كل شيء. ولا شيء في العالم إلا يفسد كما قال أفلاطون. الهوية علة الكون، والغيرية علة الفساد. وترجع الأواخر إلى الأوائل، والكبير إلى الصغير. تلك دورة الكون والفساد. تعرف الصفات بالأضداد. ولا تطلب في عالم الكون والفساد صورة الفكر وتركيب العالم على خلاف مجاري الطبيعة ليطلبها ويشتبه بها. هنا يبدو الانتحال أقرب إلى أفلاطون الأرسطي.
Unknown page