Min Naql Ila Ibdac Sharh
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
Genres
37
وقد ذكر ابن رشد «المتكلمين من أهل ملتنا» بمناسبة نقد العقل الصوري وعدم حاجته إلى الحس وهما بأن المتقدمين الأوائل قد انتهوا إلى ذلك مع أنهم كانوا يعتقدون أن الحس هو العقل، وأنه لا فرق بين الإدراك الحسي والرؤية العقلية. ويعرض ابن رشد لعلاقة العلم الطبيعي بالعلم الإلهي، العلم الطبيعي جزئي والإلهي كلي. والأمور المفارقة يتسلمها العلم الإلهي من العلم الطبيعي وعددها من العلم التعاليمي. فالعلوم تندرج بعضها تحت بعض، من الخاص إلى العام. وقد أشكل الأمر على ابن سينا عندما ظن أن صاحب العلم الطبيعي يأخذ من الإلهي المادة الأولى والمبدأ الأول. فابن سينا يؤسس العلم الطبيعي على الإلهي كفيلسوف إشراقي يعطي الأولوية للتوحيد. وابن رشد يؤسس الإلهي على الطبيعي كما هو الحال عند المتكلمين في دليل الحدوث بالرغم من نقد ابن رشد له ولهم، والتعاليمي وسط بين العلمين، وقد كتب ابن رشد في ذلك مقالا منفردا يرد فيه على خطأ ابن سينا واستحالة إثبات وجود المبدأ الأول من صاحب العلم الإلهي، فابن رشد مع أرسطو في البداية بالطبيعة، وابن سينا إشراقي يبدأ من الله. يبدأ ابن رشد وأرسطو من العالم إلى الله صعودا وابن سينا من الله إلى العالم نزولا. هناك تعادل بين الطبيعيات والرياضيات والإلهيات؛ فالطبيعي يعطي الرياضي أن هناك موجودات مفارقة، والرياضي يعدها، والإلهي ينظر في جواهرها. الإلهيات إذن نهاية الطبيعيات ومرجعها. والسؤال الغائب هو هل هناك تعاون بين المنطق من ناحية وبين الطبيعيات والإلهيات من ناحية أخرى؟ هل هناك أصل وفرع بين المنطق من ناحية والطبيعيات والإلهيات من ناحية أخرى؟ هل العقل والطبيعة ذوا بناء واحد يسقط على الله ويرمز له به؟
38
ويأخذ ابن رشد المناظرات الفقهية كنموذج على الخصومات أي المخاطبة التي تكون بالمنطق إلى ما لانهاية؛ لذلك وضع الفقهاء ثوابت محددة للمعاندات لا يتجاوزونها بينما وضع اليونان ماء جاريا تنقضي الخصومات بانقضائها. وقد وضعت الآجال في الأحكام لهذا المعنى. فالعلوم الإسلامية أحد مواطن التعشيق بين الوافد والموروث، بين عندنا وعندهم.
39
وتظهر العبارات الدينية في أول الشرح وآخره، البسملات والحمدلات والصلوات على جميع الأنبياء سواء من المؤلف أو الناسخ أو القارئ أو المالك. وقد تظهر البسملة والحمدلة في بداية ونهاية كل مقال. ويطلب الناسخ للمؤلف الرضوان من الله مستعينا بالله عز وجل وسائلا التوفيق والتسديد. كما تظهر عبارات المشيئة الإلهية مثل «إن شاء الله». ولا تظهر نصوص قرآنية كما ظهرت في جوامع ما بعد الطبيعة باستثناء «اللهم» كأسلوب عربي. كما تدل الخواتيم على الحالة العامة للناسخ حالته النفسية وموقعه الجغرافي؛ إذ لا يكفي الناسخ بالتدخل لتقطيع الكلام وبدئه بقال الفقيه الأجل كأنه يتعامل مع نص مغاير، واضعا نص ابن رشد بين قوسين بل إنه يسمي نفسه ويدعو لنفسه بالفك من الأسر؛ فقد كان يشغل وقته بالعلم وهو أسير في أيدي العدو الخارجي أو الأمير الداخلي، وتنتهي الخاتمة بالملكية الشرعية للكتاب لأسرة يهودية إسبانية بدليل أن ابن رشد نفسه يقص طرفا من حياته، فلا فرق بين السيرة الذاتية وعلمها.
40
سادسا: تفسير ما بعد الطبيعة (ابن رشد)
(1) النص والترجمة
هو شرح أي من النوع الأول بالرغم من استعمال ابن رشد لفظ «تفسير» ربما تأثرا بمصطلح الموروث، علوم التفسير خاصة، وأنها تتبع نفس القاعدة، الفصل بين النص المفسر وهو القرآن والنص الشارح وهو التفسير، وهو إقرار لما ينبغي أن يكون عليه المعنى طبقا لبنية العقل وروح المذهب أكثر منه طبقا للنص المترجم.
Unknown page