حب
أيها العاتب الذي ليس يرضى
نم هنيئا فلست أطعم غمضا
إن لي من هواك وجدا قد استه
لك نومي ومضجعا قد أقضا
كذلك كان يقول البحتري منذ أكثر من ألف عام، وكذلك يستطيع بعض ساستنا المصريين أن يقولوا لأحبائهم في هذه الأيام.
فالحب عاطفة إنسانية خالدة ليست مقصورة على جيل دون جيل ولا على بيئة دون بيئة، وإنما هي متصلة بالنفس الإنسانية في مزاجها وتكوينها. وليس من الضروري أن يحب المصري مصريا والعراقي عراقيا. وربما كان من الحق أن البحتري إنما كان يسوق هذا الحديث العذب إلى حبيب من الروم. فكما أن الحب لا يتقيد بجيل ولا ببيئة، فهو كذلك ينشئ صلته بين الأجيال المختلفة والأجناس المتباينة، ولا عليه أن يختلف المحبان في الوطن والجنس واللغة والدين. فالحب أعم من هذا كله وأشمل . وليس الحب صلة يسيرة مطردة بين نفسين، وإنما هو يمتاز بما يثير بين الأحباء من قرب وبعد، ومن رضا وسخط، ومن هجر ووصل، وبما ينشئ عن هذا كله من أسقام تعذب النفوس وتمزق القلوب وتضني الأجسام وتطلق الألسنة بالشكوى وتملأ الجو حول المحبين غناء يروع أحيانا بما يشيع فيه من الأمل والابتهاج، ويروع أحيانا أخرى بما يسيطر عليه من اليأس والابتئاس. وكان البحتري يقول عن حبيبه ذاك:
لج هذا الحبيب في الهجر جدا
وأعاد الصدود منه وأبدى
ذو فنون يريك في كل حال
Unknown page