إن هذه الضوضاء التي تعلو وتخفت تحت قبة البرلمان لتذكرني بحكاية رواها لي صديقي المرحوم المنسنيور غناطيوس ضومط، قال: سافرنا في القطار من باريس وكان معنا الزعيم جوريس، فتجمهر العمال لوداعه. كان يلبس ثوب العمال في ساعة الوداع، وما توارى القطار عن الملوحين بقبعاتهم ومناديلهم حتى بدل المسيو ثوبه الكاكي، ولبس الفراك وبرنيطة كبرج إيفل ...
أجل يا سادة، إننا نريد ثوبا لا يخلع، نريد صخورا لا فقاقيع صابون تتلاشى فور خروجها من الباب. نريد وجدانا عاما لا وجدانا خاصا. الوجدان الخاص هو وجدان «الأنا»، أما الوجدان العام فهو وجدان «الغير» وهذا ما نحتاج إليه.
وبكلمة صريحة واضحة أقول: نريد أن نبني وطنا يكون لنا فيه بيت، لا أن نبني بيتا يكون لنا وطنا.
ومن له أذنان للسمع فليسمع.
17 / 4 / 52
لا أب ولا أم ولا عم
ما أظنني تجاوزت الحد في الجرابين الأخيرين: ما أرخص النفوس، والوجدان العام! ولست أحسبني قلت غير الحقيقة التي يزعمون أنها تجرح، قلت: لن نسمع صوت الهاتف حتى ينفخ في الصور، ويقوم من في القبور ... لأنني لن أمسي وزيرا أو نائبا لأعمل لقريتي.
فهل من يستغرب قولي بعدما قرأنا في جريدتي بيروت وتلغراف تصريحا لرئيس المجلس النيابي السابق يقول فيه: أنا شخصيا لن أرشح نفسي؛ لأن حقوقي مؤمنة بوجود عمي أحمد بك في هذا «المنصب»؟
ومن أين لعين كفاع رجل عظيم مثل أحمد بك ليؤمن لها بعض حقوقها، ويشتري النفوس المعرضة لخطر الموت؟
قلت للوزير: أنا رايح إلى عين كفاع، وخائف على نفسي، فكان ما خفت أن يكون. نفذ السهم في نسيب عزيز، فتى في الحادية عشرة، هو حكمت البر حداد، سقط على رأسه من عل، فأغمي عليه وبق الدم ولو لم تسق إلينا رحمة الله سيارة خاصة في تلك الهنيهة لرأينا بأعيننا ما يفتت القلوب. نعم كان نقله إلى جبيل خطرا وأي خطر! ولكننا اخترنا أهون الشرين، والحمد لله على أنه لا يزال في المستشفى حيا يرزق.
Unknown page