هذا لسان حال الأدباء عندنا، إلا إذا كان الأستاذ المنذر وقع على كنز ونحن لم ندر بعد ... حكي عن أحد القسيسين أنه مر بفلاح يزرع، فرفع الفلاح يده عن محراثه ووقف فدانه، وهرع إلى دورقه المعلق بإحدى الأشجار، ثم أقبل به على المحترم وركع أمامه سائلا إياه بحرارة إيمان أن يصلي له لأن أرضه أجدبت.
وكان القس خبيثا خفيف الروح، فصلى بخشوع، ثم نفخ في الماء ورفع رأسه وقال، بعد ختام الصلاة: رش هذا الماء يا ابني، ولكن لا تنس أن ترش قبله أو بعده سمادا ...
جميل هو هذا التكريم المتعارف، ولكنه ليس بالنقد الرائج في السوق ... فهو لا يطبخ جبة وقميصا ولا يشتري رغيفا، «يوبيلات» أكثر من الهم على القلب، وما كان يوبيلي بأولها ولا آخرها، فالذي أقوله يشملني ويشمل غيري.
هذا ما نقوله عن «اليوبيلات» جميعها، أما ما نقوله عن يوبيل الشيخ المنذر فهو أن اللجنة تستحق أطيب الشكر، فبرئيسها الشيخ هنري الجميل، أطيب الثناء أجاد فيها الشعراء والخطباء، وكان أرصنهم شعرا، شاعر الفيحاء سابا زريق لولا القافية التي بنى عليها قصيدته، فهي غير مرنان. أما الخطباء فكان الشيخ سعيد تقي الدين أطرفهم وأظرفهم فتدفق كالسيل من عل غير ناس كارثة فلسطين، ثم ودع المنبر بنكتة لاذعة ... وكانت قصيدة الشاعر ميشال بشير رصينة، ولكنها أطول من يوم الجوع، بله إنها منشورة في ديوانه، فليته نظم لمعلمه قصيدة جديدة. أما الأستاذ أبو شرف فكان أخطبهم لهجة ولو اكتفى بما رواه عن الشيخ إبراهيم لكان خيرا وأبقى.
وكانت جولة الأستاذ النصولي موفقة، فكان في نثره شاعرا، بينا كان شاعر الكوخ الأخضر - رياض المعلوف - ناثرا، فما وفق لا في أصالته عن نفسه ولا في نيابته عن والده ... كأنه أراد أن يبز والده الجليل في مدح «العم» فمشى معه مشيا وئيدا. أما الخطباء الذين لم يحضروا، فكانوا أبلغ من حكى في هذا المهرجان ...
بقي صاحب الشعر الذي غنت به دنيا العروبة، أراد أن يتظرف فكان ثقيلا حين ذكر الشيخ إبراهيم قائلا:
هلا رجعت بنا إلى
زمن الشباب، إلى هناك ...
ثقيلة هذه الذكرى، وأثقل منها ابتسامة شاعرنا المصفرة التي عقبتها.
إن هذا الشاعر لا ينسانا أبدا، لا هو ولا غلمانه فقال بلسان أحدهم:
Unknown page