وهيلان تقبل هذا في شيء من الإذعان والتبرم، والرجل يغريها أو يكاد وهو يثني على أمه، ويذكر ظرفها، ورقتها، وحنوها.
وينصرف الزوجان كل لشأنه، وقد أقبل الخادم فهو ينفذ كارها متباطئا أمر سيدته، وهو كذلك وإذا الأم قد أقبلت؛ فيبتهج الخادم بلقائها، وتنكر هي ما ترى من تغيير نظام البيت، ويشتد إنكارها حين ينبئها الخادم بتفصيل هذا التغيير، ولكن ابنها يقبل فتلقاه راضية مبتهجة بلقائه، وتكاد تنسى تغيير النظام، ولكنها لا تلبث أن تذكره فتتحدث فيه إلى ابنها في شيء من الإنكار تخفيه ولكنه يظهر، وابنها مضطرب بينها وبين امرأته كأنه يوافق امرأته على التغيير، وهو الآن يكاد يستعطف أمه، ويعرض عليها ألا يتغير شيء.
ولكن أمه تظهر الرضا على أنه رضا يشبه السخط، والرجل يحدث أمه عن امرأته فيثني عليها، ويذكر ظرفها ورقتها وحبها كما كان يثني على أمه أمام امرأته.
ثم يذهب ليدعو امرأته فتقبل، وتلتقي المرأتان في فتور ظاهر يضيق به الرجل، ويبذل جهدا غير قليل في إزالته، فيوفق وما يكاد.
ثم يتركهما معلنا أنه سيتحدث مع صاحب سيارات في سيارة يريد أن يشتريها لامرأته، فنفهم بعد ذلك من الحديث بين المرأتين أن هيلان تحسن سوق السيارات، وتريد أن تكون لها سيارتها الخاصة لتخرج بها في باريس، والأم تنكر هذا، وتدهش له، ويشتد دهشها وإنكارها حين تقص عليها هيلان أنها قضت ليلة أمس مع زوجها بعيدين عن باريس؛ لأنهما خرجا للنزهة فضلا، واضطرا إلى أن يقضيا الليل في فندق حقير قذر، وكانا سعيدين كل السعادة حتى إنهما ليريدان أن يستأنفا هذا الضلال، فتلاحظ الأم أن ابنها قد تغير في سرعة شديدة، فهو يطمئن الآن إلى مثل هذا الفندق القذر، وقد كان من قبل مترفا، مسرفا في الترف.
ونلاحظ نحن أن هذا التغيير لا يعجبها، وأن الحرب قد بدأت في حقيقة الأمر بين هاتين المرأتين: كلتاهما تحب هذا الرجل، وتريد أن تستأثر به، وكلتاهما تريد له السعادة، ولكن كما تتصورها هي، ثم كلتاهما قوية الإرادة، ظاهرة الشخصية، حريصة على أن تستأثر بالسلطان.
وقد أقبل الخادم يستأذن للصديق هنري فالان، فإذا دخل وخلا إلى صديقته كان بينهما حوار بديع مضطرب مختلف، تظهر فيه سعادة هيلان، وحبها لزوجها، وابتسامها للحياة، ويظهر فيه شقاء هنري، واضطراب نفسه، وانصرافه عن اللذة والأمل.
ونحس نحن أن هذا الشاب قد استكشف بعد زواج هيلان أنه يحبها، ورأى أن ليس إليها سبيل، فهو يشقى بهذا الاستكشاف، وهو على ذلك يحاول أن يخفي حبه، وأن يحتفظ للزوجين بصداقة طاهرة ترعى فيها كل الحرمات، ولكنه عاجز عن أن يضبط نفسه، ويملك عاطفته، وآية ذلك أنه يعتذر عن العشاء، ويعجز عن أن يضرب موعدا آخر للقاء الزوجين. •••
فإذا كان الفصل الثاني فقد مضى نحو العام على ما حدثتك به آنفا، وأخذت هذه الحوادث الضئيلة اليسيرة المحرجة على يسرها وضآلتها تكثر، ويجتمع بعضها إلى بعض؛ فتفسد جو البيت، وتباعد بين المرأتين، وتزيد حياة الرجل عسرا وحرجا.
ونحن نرى أول الفصل هيلان في مكتب زوجها تنسق الزهر في آنية بديعة صغيرة تضعها على المكتبة، وتنظر إليها من قريب ومن بعيد كأنها تريد أن ترى ما تحدثه من جمال في الغرفة كلها، وهي مغتبطة لا تملك أن تتحدث بغبطتها إلى الخادم، فتثني على هذه الآنية، وعلى ذوقها الذي مكنها من اختيارها، ولكن حماتها تقبل مسرعة متعبة، فتأمر الخادم بأن يحمل إليها بعض المتاع، وما هي إلا أن يأتي الخادم بما أمرت به فتزيل الورق عن إنائين ضخمين من النحاس، فإذا سألتها هيلان أنبأتها بأنها سمعت ابنها أمس يود لو وضع على مكتبتيه شيء يزينهما، فأسرعت فاشترت هاتين الآنيتين، فتغتاظ هيلان لذلك، وتقول: إنها هي أيضا سمعت زوجها فاشترت هذه الآنية الصينية البديعة.
Unknown page