Min Hayy Ila Mayyit
من حي إلى ميت: إلى أخي
Genres
كان يعلم شيئا، فأصبح بعد الوظيفة يعتقد أنه يعلم كل شيء، ولكنه لو عاد إلى رشده قليلا، وتدبر نفسه لفطن أنه كان شيئا قبل الوظيفة، وأما اليوم فقد أفقده الغرور الشيء الذي كانه، وأصبح لا شيء.
وأما رجل الدين فكان وهو كاهن يعتقد نفسه أنه من جبلة البشر، فأصبح وهو أسقف يعتقد نفسه أنه صار من جبلة الآلهة.
كان يقر بالخطأ الذي يرتكبه، فأصبح بعد الأسقفية معصوما من الخطأ.
كان يطرق أبواب الفقراء، ويتحدث إليهم، فأصبح بعد الأسقفية لا يطرق إلا أبواب الأغنياء والزعماء.
كان رجل دين فقط، فأصبح بعد الأسقفية رجل الدنيا والدين.
كان يعتقد أنه لا سلطة له غير سلطته الروحية ضمن جدران كنيسته، فأصبح بعد الأسقفية يعتقد أن كل السلطات بيده.
كان شيئا وهو كاهن، وأما اليوم فلو تبصر قليلا في كثرة هفواته وغروره واعتداده بنفسه، لظهر له جليا أن الأسقفية التي ولدت الغرور في ذهنه أفقدته الشيء الذي كان متحليا به وهو كاهن، وأصبح لا شيء؛ لأنه لم يخلق ليكون أسقفا، بل كاهنا فقط.
إن المنصب الرفيع يفعل في صاحبه ما تفعله الثمرة في الشجرة، فكما تعلن الثمرة جودة أصل الشجرة أو رداءته، هكذا المنصب الخطير يعلن كفاية الرجل وحسن أرومته وإخلاصه، أو عدم كفايته وصلفه وفظاظة طباعه.
يا أخي:
تراني الآن كلما نظرت بعين العقل والبصيرة، كيف تتوزع على الناس خيرات الأرض ومراكزها الأدبية والمادية، يظهر لي جليا أن الغبن الفاحش يلحق بعض الناس بلا سبب موجب، كما تلحق الزيادة البعض الآخر عن غير جدارة ولا استحقاق .
Unknown page