واختيرت الرواية، واستؤجر الملعب الكبير، ودعي فنان مشهور من أهل الكفاية ... ليدرب التلميذات على اصطناع شخصيات الرواية، كل واحدة بدورها راقصة أو ممثلة.
وطاف المدرب بالتلميذات في صفوفهن يختار منهن ذوات الوجوه والأجسام ... الفنية!
واختار قدرية لدور ذي خطر ...
وتأبت الفتاة بما في طبيعتها من الحياء وما في دمها من إرث أجدادها، وعجب البنات أن تأبى قدرية وإن كل واحدة منهن لتتمنى، واستمعت قدرية إلى أحاديث البنات صامتة، ثم ... ثم قبلت فخورا مزهوة، وغلبتها غريزة الأنثى الغيور، على ما في دمها من إرث الآباء والأجداد!
ووقف المدرب يلقنها ويستمع إليها، ووقفت هي مصغية تستمع إليه وتحاكيه، تجهر بصوتها حينا وحينا تخافت به، وعرفت من مخارج الصوت ما لم تكن تعرف، ولانت أعطافها بعد يبس، وأحسنت أن تدور على عقبها، ثم تنثني وتنهض، وأجادت تمثيل اللفتة المتكبرة، والنظرة العابرة، والرنوة الآسرة، ثم تبكي وتضحك في وقت معا ...
وقال المدرب الفنان: «يا لها من فتاة! إنها لفنانة موهوبة!» وأطبقت الفتاة جفنيها في حياء وهي تشكر له، فبدت في كلمتها وحركتها أبرع فنا مما ظن مدربها ...!
ولم يمانع أبوها وأمها أن تكون ابنتهما راقصة ممثلة ساعة في ليلة من ليالي البر. وأين يبدو لهما وجه الاعتراض والمدرسة هي التي اختارتها لذاك، وإن المدرسة لأعرف منهما بما يليق وما لا يليق، وإن عليها وحدها أن تختار لتلميذاتها من وسائل الرياضة والتثقيف ما يؤهلهن للحياة ...!
وجاءت الليلة الموعودة بعد تدريب طويل وإعداد شاق ... وكان على أبواب المسرح الكبير معلمون ومعلمات لاستقبال المدعوين، وغص البهو والشرفات بالآباء والأمهات، والأصدقاء والصديقات ، والمربين والمربيات ...!
وراحت طائفة من التلميذات تجوس خلال الصفوف في ثياب بديعة ومظهر فاتن، يبعن الزهر والحلوى مما صنعت أيديهن من قبل استعدادا لهذا اليوم ومساهمة في أعمال البر ... وكانت «قدرية» خلف الستارة بين أيدي المواشط يهيئنها للظهور، وأمامها مرآة كبيرة تريها من نفسها ما لم تكن ترى أو تعرف، وابتسمت ابتسامة الإعجاب والرضا حين رأت وعرفت.
وخرجت إلى المسرح مجلوة ملونة كما لم تبد في يوم من أيامها، وانسكبت عليها الأشعة من أربعة جوانب المسرح تشب لونها وتزيدها ملاحة وفتنة، ووقفت متأهبة.
Unknown page