ونظرت بدرية، فعرفت، فهتفت ...
ولكن هتافها تلاشى في ضجة الناس وزحمة الطريق، ومضت تعدو في آثارهم وتركت متاعها تتقاذفه أقدام السابلة!
وانقطع بها الطريق فما بلغت ولا بلغ صوتها من يسمع، وكأنما كانت تنادي منادى من التاريخ يفصلها منه بضعة عشر عاما من عمر الزمان!
وهامت المسكينة على وجهها ذاهلة لا تكاد تعي شيئا مما ترى أو تسمع، ليس لها هدف فيما تسعى ولا غاية فيما تسير.
وأعيت بعد جهد فسقطت في الطريق ليس لها حس ولا حركة ولا مظهر من مظاهر الحياة، ثم أفاقت لتسأل نفسها ويسألها الناس عن شأنها فلا تكاد تجد الجواب.
وتتابعت على عينيها ذكريات الماضي يوما يوما منذ كانت إلى أن صارت ... ونظرت يمنة ويسرة ثم انطلقت تعدو ...
وعرفت بعد لأي أين تقصد، فمضت في طريقها ...
والتقى في خيمة الضابط المشرف على فرقة المتطوعين من أعراب الصحراء شخصان لم يتراءيا وجها لوجه منذ بضع عشرة سنة، أما أحدهما ففتاة في الأربعين قد تقنعت بلفاع أسود حائل وعليها ثوب مرقوع، وترف على فمها ابتسامة لم تنفرج عن مثلها شفتاها منذ سنين. وأما الآخر فرجل أشمط مخدد الوجه في جبينه شجة ملمومة، يلبس حلة عسكرية وعلى رأسه طربوش بدوي غليظ يكبس أذنيه ويتدلى زره على قفاه ...
وقالت الفتاة: «راجح!»
وغصت بريقها وتسابقت بوادرها على خديها.
Unknown page