239

Min Hadith Nafs

من حديث النفس

Publisher

دار المنارة للنشر والتوزيع

Edition Number

الثامنة

Publication Year

١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م

Publisher Location

جدة - المملكة العربية السعودية

Genres

هذه هي بيوتنا التي خُلقت لنا والتي هندسَتْها طبيعةُ جوّنا وآداب ديننا وعاداتنا وأوضاعنا، وهي البيوت الشامية الأصلية التي رسخت أصولها فينا، ثم امتدت فروعها فقطعت البحر من ضفة إلى ضفة، من الشام إلى الأندلس، فملأت الأندلس ثم انتقلت إلى المغرب فلا تزال فيه إلى اليوم، ما ملّوها كما مللناها ولا انصرفوا عنها تقليدًا للغرب الذي اتخذنا تقليده دينًا ورأينا كل ما يأتي من عنده حسنًا، ولو كان الفجور والعهر، والرقص والخمر، والفسق والكفر!
* * *
وكنا قد بلغنا منزل الرجل حين بلغتُ هذا المحطّ من الحديث، فنظرت فإذا الأرض قد بُدِّلت غير الأرض، وإذا تلك الدار التي كانت مدارج صباي ومرابع هواي قد ذهبت مع أمس الدابر، وإذا في مكانها عمارتان جديدتان في إحداها دار صديقنا الذي جئنا نزوره، فأحسست -مما فقدت وما وجدت- كأني قد ودّعت عزيزًا وفارقت حبيبًا، وتردد بي الزمان بين الماضي والحاضر حتى شعرت كأن قد أصابني دوار، ودخلت متحاملًا على نفسي غائبًا عن حسي، فإذا الدار سجن من هذه السجون التي تُسمّى الطوابق: صناديق من (الإسمنت) تتلظى في الصيف حرًا وتشتعل لهبًا، فكدنا نختنق وقلنا: افتح النافذة نجد مسَّ النسيم.
قال: لا نستطيع، إن نافذة الجيران أمامنا، فإن فتحنا أبصروا كل ما في الدار.
فصبرنا على مضض، فما هي إلاّ هنيهة حتى ارتجّ البيت

1 / 256