Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Genres
247
وقد يتم التوحيد بين الكلام والحروف لا من أجل نظرية عملية للكلام، بل من أجل تقديس الحرف واعتباره مقدسا قديما كالكلام. والكلام مكتوب في هذا العالم كما أنه مكتوب في عوالم أخرى سابقة على هذا العالم ولاحقة عليه. وهذه أسطورة حسية تقوم على التجسيم.
248
وإثبات الهوية بين الكلام والحروف إثبات للكلام الحسي الخالص ورفض للذهاب إلى ما وراء الصيغ والعبارات إلا من خلال هذه الصيغ وهذه العبارات نفسها.
249
ولكن وحدة الحروف في لفظ واجتماع الألفاظ في عبارات تعطي معاني ليست هي الحروف. وإذا كان الكلام حروفا فكم يكون أقل الكلام من حروف؟ أقل الكلام حروفا إما حرف واحد، فالكلام اسم أو فعل أو حرف أو حرفان، مثل لا.
250
إذا كان المقروء والمسموع والمكتوب هو الكلام الحسي الخارجي، فإن المحفوظ والمفهوم والباعث هو الكلام النفسي، وهو البعد الثالث الذي يتوسط الكلام الصوري والكلام الحسي. ويشمل الكلام النفسي المعنى القائم بالنفس أو بالذهن حيث يصعب التفرقة بين وجود المعنى في الذهن أو في الذاكرة أو في الوجدان. والسؤال هو: هل يتكلم الإنسان بكلام غير مسموع؟ إن إثبات الكلام النفسي إثبات لاستقلال المعنى عن الألفاظ والمخارج والحروف. فهو موجود وجودا ذاتيا خالصا يشعر به المتكلم ولكن لا يملك التعبير عنه إلا لفظا أو إشارة أو رمزا، أي في صورة حسية للتعبير عنه وإيصاله للآخرين. يؤكد الحكماء وجوده في التأمل الخالص والذي لا يمكن التعبير عنه إلا بالصورة الفنية والخيال وكذلك الصوفية في العلم الإشراقي الذي لا يمكن التعبير عنه إلا رمزا أو إشارة أو تلميحا.
251
ويجد الكلام نفسه طريقه بين الكلام القديم والكلام الحسي. ويغني عن إثبات الكلام القديم لأن الكلام النفسي يميز بين القراءة والمقروء والدليل والمدلول والحرف والمعنى، كما أن كلام الله منزل على قلب النبي نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال. المنزل هو الله، والمنزل عليه قلب النبي، والنزول هو اللغة العربية، والنازل على الحقيقة هو قول جبريل، ليس بمعنى الإنزال من أعلى إلى أسفل بمعنى الانتقال فذاك ما يخص الأجسام.
Unknown page