238

Min Caqida Ila Thawra Tawhid

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Genres

أما الجواب بالإثبات فهو جواب ذهني خالص يقوم على افتراض استحالة ثم إثبات إمكانها دليلا على العظمة والجلال والقدرة المطلقة التي تثبت معجزة عقلية، وهي إمكانية وجود الأضداد على خلاف العالم الإنساني الذي يستحيل فيه وجود الأضداد مجتمعة.

50

وإذا وجدت فإنها تدل أيضا على قدرة المؤله في الطبيعة وعلى قدرته الجمع بين الأضداد في الخلق. وبالتالي يكون السؤال أساسا موضوعا ليسمح بإجابة تعبر عن عواطف التعظيم والإجلال، وهي عواطف تعطي أحكام قيمة على عواطف التأليه. فهو ليس سؤالا موضوعيا يعبر عن مشكلة واقعية، بل سؤال موجه نحو الذات، ونحو شخص المتكلم من أجل أن يسمح لنفسه بالتعبير عن عواطف التعظيم والإجلال حتى لا يظل على المستوى الإنساني وحتى ينفي أي مشاركة في الصفات. وقد تكون القدرة والحياة معا شرطا للعلم، ولكنهما أبعد عن المعقول من كون الحياة شرطا للعلم والقدرة.

51

وفي هذه الحالة يستحيل فصل القدرة عن الحياة، فكلاهما شرط العلم. فإذا تميز العلم في صفة بمفرده، فقد توضع القدرة والحياة معا غير منفردين.

وبالرغم مما يقال عن هذه الصفات الثلاث، وحدتها وافتراقها، مشروطها وشارطها،

52

فإنها في الحقيقة ملكات نفسية مشخصة ولا يمكن فهمها إلا بإرجاعها إلى تحليل وظائف الملكات النفسية. فإذا أخذنا التصور التقليدي للثلاثي من أن الحياة شرط العلم، والعلم والقدرة مشروطان ، نجد أن الحياة هو الأساس، وأن العلم والقدرة لا يوجدان بدون الحياة. ويكون العلم حينئذ هو المظهر العاقل للحياة، والقدرة هي المظهر الفاعل لها. العلم هو النظر، والقدرة هي العمل، الوجه الآخر للنظر أو مصير النظر وغايته، والحياة شرط النظر والعمل، فالحياة لها مظهران: نظر وعمل. الصفات الثلاث إذن: العلم، والقدرة، والحياة، هي صفات الإنسان الثلاثة. تظهر القدرة من الإنسان الحر القادر، ويظهر العلم في الإنسان العاقل، وتظهر الحياة في الإنسان الفاعل، فالحياة هي الفعل، والعقل هو الحياة.

وبالإضافة إلى العلاقات الثلاثية إذا دخلت كل صفة في علاقة ثنائية مع أخرى تكون لدينا ثلاث علاقات: العلم والقدرة، الحياة والقدرة، العلم والحياة. فعلاقة العلم بالقدرة عند القدماء علاقة تبعية. العلم لاحق على الإرادة كحل لمسألة حدوث الصفات وقدمها. والعلاقة في الحقيقة علاقة إنسانية خالصة. العلم بلا قدرة علم العجائز، والقدرة بلا علم تعصب أعمى. العلم هو العلم القادر على التنفيذ وليس العلم الأجوف، والقدرة هي القدرة الواعية لا القوة الخرقاء. وهذا مطلب إنساني خالص. فكثيرا ما نجد في الحياة العامة انفصل العلم عن القدرة. هناك علم عاجز لا يؤدي إلى فعل. كما أن هناك قوة غاشمة لا تستند إلى علم. حق الضعفاء علم بلا قدرة، وبطش الظالمين قدرة بلا علم. وهو الصراع التقليدي بين الحق والقوة، وهذا لا يعني الوقوع في البرجماتية الخالصة لأن العلم ما زال موجودا.

53

Unknown page