Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Genres
81
ويرتبط موضوع الحال بموضوع العلة من عدة أوجه. فكما أن الحال وسط بين إثبات الصفات ونفيها، فكذلك العلة يعتمد عليها مثبتو الصفات لإثباتها كما يعتمد عليها نافو الصفات لنفيها. وبهذا المعنى يكون مبحث العلة فرعا لمبحث الحال، فالأحوال تنقسم إلى معللة بصفة وإلى غير معللة، فالعلل أحد قسمي الأحوال. العلة حال معلل، والحال المعلل صفة موجودة كالعالمية المعللة بالعلم وغير المعلل كلونية السواد. وليس كل من قال بالعلة يقول بالحال، في حين أن كل من قال بالحال يقول بالعلة؛ لأن نفي الحال يؤدي إلى إبطال العلل والحقائق جميعا، ولكن قد ينفى التعليل كأساس لإثبات الصفات، فواجب الوجود لا يعلل ولا يفتقر إلى تعليل.
82
وقد ظهر مبحث العلل من قبل في المقدمات النظرية في نظرية الوجود ابتداء من القرن الخامس بالاعتماد على مادة الأصوليين والحكماء. والحقيقة أن العلة أحد وسائل أربعة لإصدار حكم على الصفات بالإثبات، وهي العلة والشرط والدليل والحد أو الحقيقة، وكلها تقوم على قياس الغائب على الشاهد. فإذا ثبت كون حكم معلولا بعلة شاهدا وقامت الدلالة عليه لزم القضاء بارتباط العلة والمعلول شاهدا وغائبا. فإذا ما طبق ذلك في علاقة الذات بالصفات فقد يدل ذلك على الاحتياج والافتقار أو على الحتمية والجبر في تصور علاقة العلة بالمعلول، وهو محال على الله. وإذا تبين الحكم مشروطا بشرط شاهدا ثم يثبت مثل هذا الحكم غائبا فيجب القضاء بكونه مشروطا بذلك الشرط اعتبارا بالشاهد مثل لو كان العالم عالما مشروطا بكونه حيا. فلما تقرر ذلك شاهدا اطرد غائبا. وهذا أيضا تحكيم لعلاقة الشرط بالمشروط في علاقة الذات بالصفات. وإذا دل على مدلول عقلا لم يوجد الدليل غير دال شاهدا وغائبا، وهذا كدلالة الأحداث على المحدث. فالدليل هو الجامع للعلة والمعلول والشرط والمشروط، أي أنه عمل العقل في وصوله إلى المعاني. وهو ليس مجرد قضية لفظية، بل يتجاوز اللفظ إلى المعنى. كما أنه لا يرجع إلى التقرير الوهمي، بل إلى عمل العقل. أما الحد أو الحقيقة فمهما تقررت حقيقة شاهدا في محقق اطردت في مثله غائبا، وذلك نحو الحكم بأن حقيقة العالم من قام بالعلم. ويرجع الخلاف من جديد إلى اعتبار قول الحاد مبينا عن الصفة المشتركة على ما هو الحال في إثبات الأحوال إما بالحد اللفظي أو بالحد الرسمي أو بالحد الحقيقي أو إلى اعتبار حد الشيء وحقيقته وذاته وعينه عبارات تعبر عن شيء واحد كما هو الحال في نفي الأحوال. وعلى هذا النحو يكون منطق الصفات منطقا إنسانيا خالصا، وبالتالي يمكن رد الإلهيات إلى الإنسانيات ورد الإنسانيات إلى المنطق. وقد كان المنطق في علوم الحكمة مقدمة للطبيعيات والإلهيات.
83 (5) القدم والحدوث
وهو الحكم الثالث من أحكام الصفات بعد حكمي النفي والإثبات والهوية والغيرية. واتباعا للنسق العام يؤدي إثبات الصفات إلى القول بهويتها على الذات وإلى القول بحدوثها. وفي بعض الأحيان يظهر نفي الصفات في مقابل القدم وليس في مقابل الإثبات، أي أن أطراف النسق قد تتبادل فيما بينها لأنها تؤدي نفس الوظيفة. الطرف الأول يهدف إلى التشبيه والثاني إلى التنزيه، وتوتر الشعور بين هذين القطبين. ونظرا لأهمية الموضوع فإنه يظهر في المقدمات، في التسبيحات والبسملات، كما يدخل في دليل الحدوث وإثبات قدم الصانع ضد الحكماء الذين يثبتون قدم العالم، فالقدم صفة الله عند المتكلمين وصفة للعالم عند الحكماء. كما يدخل في أول وصف للذات وهو القدم، ويكون بذلك أول دليل على حكم القدم.
84
والحقيقة أن الحجج لإثبات قدم الصفات كلها عقلية؛ وذلك لأن النقل ظني متشابه مضاد بنقلي آخر ويسهل تحويله إلى نقل مضاد. والحجج العقلية ثلاث: الأولى مستمدة من قدم الذات طبقا لدليل الحدوث. ما دامت الذات قديمة فصفاتها قديمة. هذه الصفات قائمة بذات الله في الأزل وإلا لكان محلا للحوادث، وهذا ممتنع، أو كان يتصف بصفة لا تقوم به وهو محال. يستحيل أن يكون الله محلا للحوادث لأن كل حادث جائز الوجود والقديم الأزلي واجب الوجود. ولو قدر حدوث حادث بذاته لكان إما أن يرتقي الوهم إلى حادث يستحيل قبله حادث، وهو محال، وإما استحالة ذلك لأنه واجب الوجود. ولو قدر حدوث حادث بذاته فإما أن يتصف بضده وكان قديما استحال بطلانه زواله، وإن كان حادثا كان قبله حادث وتسلسل إلى ما لا نهاية وهو محال، وإما لا يتصف بضد وبالتالي يكون قديما. وبصيغة أخرى، المحدث لا بد له من محدث، ومن ثم أن يكون قديما، ويمكن القول كذلك في جميع الصفات.
85
والحجة الثانية تعتمد على التضاد. فإن لم يكن قديما في الأزل كان عاجزا، إذ لا بد من قدم القدرة حتى لا يوصف بالعجز، ثم تعميم صفة القدرة على سائر الصفات. وقد يبدأ الدليل بإثبات قدم العلم حتى تنتفي صفة الجهل ثم تعميم صفة العلم على باقي الصفات.
Unknown page