170

Min Caqida Ila Thawra Tawhid

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Genres

وقد تتم الرؤية بتغير في موضوع الرؤية ذاته وتشكله في صورة أخرى حتى يمكن للعين رؤيته. وهذا في الحقيقة احتيال من الله وإظهار نفسه على غير صورته أو تقلب وتغير، وهو ما يستحيل على الله. كما أن رؤية صورة الله ليست رؤية لذاته. وهو أقرب إلى القول المسيحي، وكما هو معروف في تاريخ الأديان، أديان الوحي أو ديانات الطبيعة بأسماء التجلي والتشكل والتناسخ وظهور الله في صور شتى على ما يقول أصحاب التناسخ والحلول والمجسمة بوجه عام.

131

فإذا ما استعصى التحايل على وظيفة العين أو على موضوع الرؤية يفترض وجود حاسة خاصة تتم بها وهي الحاسة السادسة! وهي ليست العين المجردة، بل أقرب إلى القلب أو الشعور. وقد تكون إحدى وظائف الشعور الباطنة. وليس السؤال كما وضعه القدماء هو قدرة الله على خلق حاسة سادسة، فذلك تحويل لموضوع الرؤية إلى موضوع القدرة، إنما عن كيفية الرؤية. فكون المؤله قادرا على أن يرى نفسه لعباده لجوء إلى افتراض القدرة، واعتماد على برهان السلطة والعظمة وليس افتراضا عقليا. إنه افتراض شعوري خالص ناتج عن عواطف التأليه للإجابة على مشكلة واقعية هي موضوع الرؤية. وفي الحقيقة أن الحاسة السادسة هي الحدس الذي به تتم رؤية الماهيات في الشعور. فالشعور ليس مجموعة من الحدوس الظاهرة والباطنة، بل هو موطن الحدس، هو الذات العارفة أو الوجود الإنساني من حيث هو ذات عارفة، وهو ليس حاسة سادسة لها مركز ووظيفة ومحل، بل هو الشعور الواعي اليقظ. ويقترب هذا الحديث مما يقوله الصوفية عن العين الباطنة. ويكون السؤال: ما الدليل على وجودها؟ ما مقياس صدقها ومعيار صحتها؟ وكيف تتم بها الرؤية في الآخرة ولم تتم بها في الدنيا؟ إنها مجرد حاسة فاضلة شريفة تتفق مع جلال الموضوع وشرفه. الحاسة السادسة أفضل وأعلى من الحواس الخمس العادية، ومتسقة مع علو الموضوع وشرفه. هو مجرد افتراض محض عن طريق التمني والحصول على مكاسب بمجرد تخيل الوسائل.

132

فإذا كانت رؤية الله في الدنيا عليها خلاف بين أهل السنة، فإن رؤيته في الآخرة عليها اتفاق نظرا لسهولة الإجماع عليها نظرا لغياب الدليل، ولأن الآخرة طبقا للشعور تسمح بإمكانيات أكثر مما تسمح به الدنيا، فالعلاقة بينهما علاقة اللانهائي بالنهائي. فهو مرئي يوم القيامة من غير موازاة ومقابلة ومواجهة ودون شعاع خارج أو داخل. رؤية قلبية أكثر منها عينية. وقد تحدث الرؤية من جانب الموضوع، أي الله عندما ينكشف لعباده المؤمنين في الآخرة انكشافا تاما من غير ارتسام صورة المرئي في العين أو اتصال شعاع خارج من العين إلى المرئي. فالرؤية لا تكون بالعين إطلاقا لما كانت العين لا تقوى على النظر إلى الشمس في الدنيا، ولكنها قادرة على ذلك في الآخرة.

133

والحقيقة أن هذا تحايل على الموضوع وإدراك لصعوبة الرؤية في الدنيا وخوف من نفيها، وبالتالي لا يبقى إلا إثباتها في الآخرة التي يسهل افتراض كل شيء فيها، إذ لا يعلم أحد عنها شيئا، وليست موضوعا للحس أو العقل، ولا نعلم عنها شيئا إلا بالخبر، والخبر دليل ظني طبقا لنظرية العلم. ومع ذلك فالآخرة شعوريا تعويض عن الدنيا، ورغبة في الاستمرار في الحياة بعد الانقطاع بالموت، وكشف العالم طبقا لقوانين العدل. فالآخرة ليست مكانا أو زمانا موضوعيا بل عالم التمني عندما لا يتحقق بالفعل. يختلط فيها المكان بالزمان، فيتصور المكان خارج العالم ثم يوضع في الزمان. وهو عالم شعوري كما لاحظ الحكماء والصوفية يعبر عن حالات ذهنية أو نفسية تهدف إلى التأثير في سلوك الناس وليس عالما ماديا موجودا بالفعل. ويبدو هذا الخلط في إثبات الرؤية في الآخرة ليلة الإسراء والمعراج، مع أنها ليلة في الدنيا مما ينفي الرؤية في الدنيا. وإذا كان لا بد من إثبات الرؤية فأيهما أفضل، إثباتها في الدنيا أم في الآخرة؟ إثباتها في الدنيا قد يعلم عنها ويخبر بها ويستفاد منها في حياة الناس، أما إثباتها في الآخرة بعد انتهاء الوقت وبعد الامتحان فلا يفيد أحدا. اللهم إلا إذا كان جزاء للمؤمنين، نعيما ولذة، مكافأة لأهل الجنة، وبالتالي تثبيت الرؤية بناء على أخلاق الثواب والعقاب، ومكافأة حسية تدل على حرمان وكبت وتعويض واهم عن مساوئ النظر في الدنيا. والرؤية القلبية في النهاية هي تأويل يتحاشى كيفية الرؤية كما يتحاشى إثبات الرؤية ونفي الكيفية حتى لا يثبت الشيء وينفى في وقت واحد، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف، مثل جسم لا كالأجسام، وشيء لا كالأشياء، تحصيل حاصل، إقدام وإحجام، «محلك سر»، مثل عبارات السياسيين والقادة التي لا تقول شيئا: «نحن لم ننتصر ولم ننهزم.»

والأدلة النقلية لإثبات الرؤية في الآخرة هي نفس الأدلة على إثبات الرؤية بوجه عام، سواء من القرآن أو من الحديث أو الإجماع.

134

فآيات القرآن لا تعني الرؤية بل النظر والاعتبار والتفكر أو تحقيق الغاية. والأحاديث آحاد معارضة بأحاديث أخرى. والإجماع له حدود في علم الأصول.

Unknown page