Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Genres
ولما كان الحس والعقل معا قطبين للشعور، فإن مادتي علم أصول الدين الحسية والعقلية يمكن إعادة عرضهما على أنهما مادتان شعوريتان وتكملتهما معا بمادة أصولية شعورية أخرى حتى يكتمل الموضوع في الشعور. وفي كلتا الحالتين تكون مادة القدماء وصفا للشعور؛ لأنها مادة للشعور. ولما كان الشعور يجمع بين الحس والعقل، أو إن شئنا بين المادة والصورة فيما يسمى بين التشبيه والتنزيه، فالتشبيه مادة للتوحيد أتت من الحس، والتنزيه مادة أخرى أتت من العقل. (6-2) إيجابيات التنزيه
والتنزيه بالرغم من كل ما يقال عليه من خصومه أقرب إلى روح الوحي وروح العلم على حد سواء من التجسيم والتشبيه للآتي: (1)
التنزيه أكبر معبر عن التوحيد؛ لأنه ينفي أي تشابه بين الله والإنسان. فالله في التنزيه يند عن كل تصور أو تصوير إنساني. وهو بهذا يتفق مع المعنى التقليدي للتوحيد. وبهذا يمتاز التنزيه عن التشبيه الذي يقترب من الوثنية الحسية المباشرة.
219
كما أنه يحمي من الوقوع في التشخيص، والحديث عن المؤله كمشجب تعلق عليه الصفات كما حدث بعد ذلك في التشبيه. فالمؤله حالة شعورية خالصة يعبر عنها العقل بأكثر الوسائل إمعانا في التجريد. (2)
لما كان التنزيه مجرد حالة شعورية، فإنه يعني التعالي المستمر ورفض التشبيه والمماثلة، ويعني التعالي إمكانية التقدم المستمر ورفض أي تحول للذات إلى موضوع، والاستبعاد المستمر للصيغ الجاهزة التي تريد إيقاف العلم إلى الأبد في صيغ ثابتة دون البحث عن صيغ أخرى. التعالي صورة للتقدم البشري، وهو بناء نفسي وحركة شعورية أكثر منه عقيدة.
220
والعجب أن أحدا من القدماء لم يذكر صفة «التعالي»، في حين أنها مذكورة كمديح وثناء. ففي كل مرة يذكر فيها اسم الله يردف بعبارة «سبحانه وتعالى» أو «تعالى عما يصفون» أو «سبحان ربك رب العزة عما يصفون».
221
فالتسبيح علاقة الإنسان به، وهو موقف ذاتي تعبيري. التعالي وصف من أوصاف الذات أو وظيفة الذات في الشعور بها يتم نقد الصياغات القائمة لبيان المسافة بينها وبين الماهية، ورفض القطعية والمذهبية والتوقف والخلط بين الصياغة والموضوع. وبها يتجه الشعور باستمرار نحو المجرد والصوري والخالص حفاظا على الشعور من المادية والشيئية وحفظا له من الوقوع في الثقل الطبيعي للبدن. يعني التعالي كسر نطاق الوضعية والثقة بنطقية الإنسان وروح النقد لما هو موجود والتقدم المستمر، وهو روح العلم. (3)
Unknown page