Min Caqida Ila Thawra Nubuwwa
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Genres
31
وكيف يكون مصنوعا من نور، والنور ليس مادة تكون بها ثقوب، ويمسك بها إنسان، وينفخ فيها بفمه؟ وكيف يكون عرضها ما بين السموات والأرض؟ وماذا يكون طول إسرافيل وعرضه وهو الذي يمسك بها بيديه، ويحرك على ثقوبها أصابعه؟ وهل الروح تحتاج إلى مثل هذه الضخامة، أم إن كل تضخيم هو تشخيص لمدى الهول الذي يلاقيه الإنسان بعد الموت، وما ينتظره من حساب؟
ثم يبدأ الخروج من الأرض والحشر إلى الموقف. ولكن من هو أول من تتشقق عنه الأرض؟ بطبيعة الحال هو النبي، كما أنه أول داخل إلى الجنة، وبعده نوح. ولماذا نوح دون موسى أو عيسى؟ ألا تقول كل أمة عن نبيها إنه أول من يخرج إلى الحشر، وأول من يدخل الجنة؟ ولما يرد بعده الصحابي أبو بكر قبل باقي الأنبياء؟ ولماذا لا يأتي عمر بعد أبي بكر قبل الأنبياء، وفضل عمر ورؤيته يشهد بها الجميع، وما زالت حتى الآن قدوة ونبراسا على الجرأة على الواقع، والدفاع عن مصالح الناس، ونموذج الحاكم؟ أليست هذه المفاضلة إسقاطا في الدنيا على الآخرة طبقا لتصور المجتمع لأفضلية الأنبياء وترتيب الصحابة؟ ويكون الحشر في صور مختلفة حسب الأعمال؛ فإذا كان الإنسان زانيا فإنه يخرج في صورة قرد؛ ربما لأن الحياة الجنسية للقرود وحياة المشاع، ومؤخرتهم ظاهرة حمراء مكورة، تدل على العري وعدم الحياء، وهو مصدر التهكم الإنساني عندما يوصف إنسان بأنه قرد. وإذا كان من آكلي السحق والمكس فإنه يحشر في صورة خنزير؛ لما كان الخنزير آكل القذارات والأوساخ. وإذا كان جائرا في الحكم فإنه يحشر أعمى؛ نظرا لأن الجور عماء، والظلم فقدان للبصيرة والرؤية. وإذا كان معجبا بعمله فإنه يخرج أصم أبكم؛ حتى لا يستمر في الإعجاب، فلا يتحدث بثناء النفس، ولا يسمع ثناء الآخرين، وكأن نعمته في الدنيا قد حرم منها في الآخرة. وإذا كان واعظ سوء منافقا، تخالف أفعاله أقواله، فإنه يحشر ماضغا لسانه، مدليا على صدره، يسيل القيح من فمه؛ جزاء له على لوكه بالكلام دون إتمامه بالأفعال. وإذا كان مؤذيا لجيرانه فإنه يخرج مقطوع الأيدي والأرجل؛ جزاء له على سعيه بالسوء، واستعماله الأطراف للأذى. وإذا كان ساعيا بالناس إلى السلطان فإنه يخرج مصلوبا على جذوع من نار، يلاقي من نفس العذاب الذي سببه للآخرين. وإذا كان مقبلا على الشهوات واللذات مانعا حق الله من أمواله، فإنه يخرج أشد نتنا من الجيف، وكأنه أكل في بطنه نارا وسعيرا. وإذا كان من أهل الكبر والعجب والخيلاء، فإنه يخرج لابسا جبة سابغة من قطران لاصقة بجلده؛ إذلالا له وكسرا لنفسه وقلبا لدنياه في آخرته.
32
ولكن، هل سيبقى المكلفون وحدهم العقلاء البالغون، أم سيبعث غيرهم من المجانين والصبيان؟ ولم يبعثون إذا كانوا لا يحاسبون؟ وفي أية صورة يخرجون وهم غير مكلفين، ولا ينطبق عليهم قانون الاستحقاق؟ هل يبعث الملائكة وهم غير مكلفين أيضا وإن كانوا يحيون ويموتون؟ وكيف يموتون ولا أجساد لهم؟ ما رسالاتهم؟ وهل يقصرون في أدائها حتى يستحقوا الثواب والعقاب؟ وهل لهم عقل وحرية وإرادة حتى يعقلوا ثم يعترضوا كما فعل إبليس؟ وهل يحشر الجن والشياطين؟ من هم أنبياؤهم ورسلهم؟ وما هي رسالاتهم التي أرسلت إليهم؟ وهل لهم عقل واستطاعة على الفعل حتى يكونوا محاسبين؟ هل تبعث البهائم والحشرات والطيور؟ هل تبعث الوحوش الكاسرة والحيوانات المفترسة؟ من هم رسلهم وأنبياؤهم؟ وما جوهر رسالاتهم؟ وهل لديهم عقل ورؤية أو قدرة واستطاعة على الفعل؟ وماذا عن السقط الذي تتم أعضاؤه ولم ير النور بعد، ولكن دخلت فيه الروح؟ هل هو مسئول بالغ عاقل حتى تعاد إليه الحياة، ويبعث ويقف يوم الحشر انتظارا للحساب؟ ولكن هل تقاس الأمور الأخروية على الأمور الدنيوية؟ إذا كان الصبية والأطفال والمجانين والسقط كل ذلك غير مكلف في الدنيا، ألا ترد إليه الروح في الآخرة لما كانت الآخرة هي دار الحياة والبقاء؟ وإذا كان السقط الذي دخلت فيه الروح قبل أن يرى الدنيا يرد في الآخرة في مثل أهل الجنة طولا وعرضا، وبهاء وجمالا، ألا يكون ذلك استحقاقا؛ وبالتالي يتساوى مع أهل الاستحقاق على الأعمال؟ والحقيقة أن كل هذه الصور إنسانية خالصة، تقوم على قياس الغائب على الشاهد، خاصة في صور الحشر، وطريقة الوصول إلى المحشر، وفي تصور الأطفال في الجنان، والحشرات في دورات المياه.
33
فكما أن الموت قد لا يكون مجرد حادثة طبيعية بتوقف وظائف الحياة، بل يكون موتا شعوريا، فكم من الناس أحياء وهم أموات، وكم من الناس أموات وهم أحياء، فكذلك قد لا يكون البعث واقعة مادية تتحرك فيها الجبال، وتموج فيها البحار، وتخرج لها الأجساد، بل يكون البعث هو بعث الحزب، وبعث الأمة، وبعث الروح. فهو واقعة شعورية تمثل لحظة اليقظة في الحياة في مقابل لحظة الموت والسكون؛ ولذلك كانت مشاهد البعث كلها حياة وحركة؛ يعني البعث استمرار الحياة، وأن الموت ما هو إلا حالة عارضة؛ لذلك آثر كثير من الأدباء تسميتهم رواياتهم «البعث»، وكثير من السياسيين تسمية حزبهم «البعث»، وهو الاسم المفضل عند جميع رواد النهضة الحضارية لدى كل شعب وعند كل أمة. (4) المعاد الروحاني
وفي مقابل رجعة الأموات والمعاد الجسماني والبعث، وكلها تتطلب إعادة الحياة إلى الجسد، مما يسبب صعوبات نظرية ومشاكل يصعب حلها، يأتي المعاد الروحاني واضعا حدا لهذه الصعوبات، ومستبعدا معظم الإشكاليات، مستغنيا عن الجسد كلية؛ فالمعاد للأرواح وحدها، وهي التي ستنال الثواب أو العقاب، ولكن استبعاد إشكاليات إحياء الجسد أوقع في إشكاليات أخرى بالنسبة للروح. فإذا كانت الإعادة ممكنة بشكل ما، فماذا تعني الروح في المعاد الروحاني؟ (أ) ماذا تعني الروح؟
التصورات تتفاوت بين التصورات المادية والتصورات الروحية؛ فقد تكون الروح جسما لطيفا شفافا ينتشر في البدن ويتشابك معه، يصعد ويهبط، ويعرج ويرد إلى البرزخ، وهو جسم ذو صورة وشكل وهيئة، لا في الظلمة والكثافة والرقة واللطافة؛ فالصورة أقرب إلى طبيعة الروح من المادة، والشكل أنسب لها من الثقل والوزن، والهيئة أكثر ملاءمة لها من الكثافة والظلمة. وإن رفع الروح والعروج به في حواصل طيور خضر إلى الجنة، والهبوط به إلى سحيق النار، يدل على أن الروح جسم، كما أن إقبال بعضها في يوم «ألست بربكم» بوجهها والبعض الآخر بظهرها، دليل آخر على أنه جسم. الروح هنا صورة الجسم أو هيئته، لما كانت الصورة هي مبدأ التفرد للجسم والتعين للمادة. ولكن يظل الإشكال قائما: هل الروح جسم؟ وما صلته بالبدن؟ هل هما متحدان ما دامت الروح جسما أم متمايزان؟ وما وجه التمايز؟ قد تكون أقرب إلى الاتحاد كما هو الحال عند المتكلمين، أو أقرب إلى التمايز كما هو الحال عند الحكماء. ولكن لا يوجد مكان للروح في الجسد، وإلا إذا قطع عضو في حيوان قطع عضو في الروح؛ وذلك لأن لطافتها تقتضي سرعة انجذابها من العضو المقطوع قبل انفصالها. وإذا كانت بالجسم، هل تكون بالبطن أو القلب؟ ولماذا لا تكون في الدماغ وهو آخر ما يموت من جسد الإنسان؛ إذ تصعد الروح من القدمين إلى الرأس؟ قد يكون اتصال بعضها تنجيزيا، أي دفعة واحدة، والبعض الآخر تدريجيا. الأول بالطفرة والثاني بالتطور. الأول بالخلق والثاني بالطبيعة. وقد تظهر الحياة في الجسد عادة، وليس بملامسة الروح له؛ وبالتالي تكون الروح علة مقارنة، وليست علة فاعلة.
34
Unknown page