Min Caqida Ila Thawra Muqaddimat
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Genres
17
وأخيرا تبدو محاولات أولى لتحديد العلم باعتباره نظرية شاملة، يشمل النظر والعلم، ومقدمات النظر وطرقه ونتائجه، وكأن العلم يتأسس في العقل، ويقوم على الواقع، ويسكن في الشعور، وتسكن النفس إليه. ثم تظهر مادة العلم الضروري مثل المسلمات العقلية، وبداهات العقول؛ فتظهر نظرية العلم باعتبارها نظرية في العقل. العقل هو وسيلة العلم وآلته، والعلم نتيجته وثمرته؛ كما تظهر أيضا الحدسيات والحسيات كجزء من المعرفة الضرورية. ويظهر التواتر أيضا كنموذج للمعرفة الضرورية يعتمد على الرواية، ومشروط بالبداهة الحسية والعقلية. وأخيرا تظهر الأدلة متأرجحة بين علم أصول الدين وعلم أصول الفقه وعلوم اللغة. فالأدلة ثلاثة: العقل، والسمع، واللغة. يظهر الجانب اللغوي كما يظهر جانب الوحي، وجانب العقل في نظرية العلم. وعندما تتسع الأدلة فإنها تشمل الأدلة الشرعية الأربعة في علم أصول الفقه مع التركيز على الإجماع والقياس أكثر من التركيز على الكتاب والسنة؛ أي أن نظرية العلم تنشأ في الجماعة وتقوم على الاجتهاد.
18 (4) تداخل نظريتي العلم والوجود
تظهر نظرية العلم في المؤلفات المبكرة على أنها هي المقدمات النظرية الوحيدة دون نظرية الوجود التي يستعاض عنها بدليل الحدوث كمقدمة للإلهيات. أما في المؤلفات المتأخرة فتظهر نظرية الوجود مساوية لنظرية العلم، ثم تتجاوزها وتسودها كي تبتلعها في النهاية.
19
وأثناء نظرية العلم قد تظهر بعض مسائل نظرية الوجود، حتى إنه ليصعب التمييز بينهما في المؤلفات المبكرة؛ حيث يتداخل العلم في المعلوم، والوجود في الأدلة.
20
ففي بدايات تكوين نظرية العلم تمتد النظرية وتضم الوجود، ويصعب الفصل بينهما. ويظل التأرجح من الأولى إلى الثانية؛ مما يوحي بصعوبة التمييز بين الذات العارفة وموضوع المعرفة. ولا يعني ذلك ضرورة الفصل بينهما، فالموضوع ينكشف من خلال الذات، والذات تضم الموضوع وتحتويه كاشفة عنه ومتحدة به. هناك إذن حقيقة واحدة، «شيء» واحد، ذات من حيث هي معرفة، وموضوع من حيث هو معروف. ومع ذلك تتحدد نظرية العلم أولا قبل أن ينكشف موضوع العلم ثانيا، خاصة في حضارة ناشئة تكون أولا تصورها النظري للعالم كما كان الحال عند القدماء أو لدى شعب ناهض كما هو الحال في عصرنا، يحاول أن يؤسس نظرية للعلم يدرك بها واقعه. أما الخلط بين الذات والموضوع، والتوحيد بين المعرفة والوجود كما يحدث أحيانا في الحضارات في نهاية عمرها أو في لحظات الهزائم، والرغبة في النصر عن طريق الخيال، فهو إما عود إلى العالم الحسي، والعيش من جديد على مستوى الطبيعة
21
أو انغلاق الروح على ذاتها فتصبح فارغة من أي مضمون كما هو الحال في التصوف.
Unknown page