Min Caqida Ila Thawra Muqaddimat
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Genres
61
وقد أشار القدماء إلى هذه الحقيقة وذلك بتأكيدهم على استحالة معرفة «الله» في ذاته وإمكاننا معرفة الواجب والممكن والمستحيل في حقه.
62
وبالتالي تحولت معرفة «الله» إلى نظرية في أحكام العقل الثلاثة. كما أشاروا أيضا إلى دلالة التوحيد الخلقية والاجتماعية والسياسية في اقتران التوحيد بالعدل عند المعتزلة، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالأصول الخمسة عند المعتزلة هي التي تمثل كيفية تحول التفكير «الإلهي» إلى فكر اجتماعي وسياسي، وكيف يتحول موضوع «الله» إلى التوحيد الذي ينشأ منه العدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
63 (ب)
وقد يكون موضوع النظر هي المخلوقات؛ أي آيات «الله» في الكون من أجل الاستدلال بها على وجوده؛ وبالتالي الاغتراب عن الطبيعة ونفيها وهدمها والخروج عليها.
64
فليس المقصود من النظر في الطبيعة البحث عن قوانينها من أجل السيطرة عليها والاستفادة منها، بل الانتقال منها إلى إثبات شيء آخر غيرها هو «الله». الطبيعيات هنا ما هي إلا مقدمة للإلهيات كما هو الحال في علوم الحكمة، أو سلم يرتقى عليه من أجل الوصول إلى إثبات وجود «الله» ذاتا وصفات وأفعالا؛ أي العود إلى الموضوع الأول من جديد. الطبيعيات هنا إلهيات «مقلوبة» والإلهيات هي طبيعيات «مسقطة». فإذا كان الموضوع الأول انتقالا من الله إلى العالم، فإن الموضوع الثاني هو انتقال من العالم إلى الله. لا يعني النظر في الطبيعة الدخول في فروع مسائلها مثل الجزء والطفرة والكمون ، بل التأمل فيها والبداية بها، مع أن هذه المفاهيم الطبيعية ذاتها لها دلالات وبواعث في الفكر «الإلهي».
65
وقد يكون الموضوع «أمور الدين» كحلقة متوسطة بين الفكر «الإلهي» والفكر الطبيعي. فإذا كان النظر في أمور الدنيا نظرا اضطراريا، فإن النظر في أمور الدين يعلم قياسا.
Unknown page