Min Caqida Ila Thawra Muqaddimat
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Genres
7
فإذا طلب الإنسان شيئا فإنه يدعو كي يستجاب له، ويسأل كي يعطى له، فتكوينه النفسي قد تعود على السؤال والاستجداء، واعتاد على الشحاذة والتسول، ولن يتغير الواقع عن طريق الدعاء، ولن يطعم جائع بطريق الاستجداء، ولن ينصر مظلوم عن طريق البكاء! الدعاء تعبير عن أماني ورغبات وليس تحقيقا لها، هو حيلة العاجز، وفعل القاعد، وأسلوب القعيد، وطريق الخامل، وسبيل المستكين، وقد بدأنا تغيير الواقع بالدعاء منذ تراثنا القديم ولم يتوقف حتى عصرنا الحاضر،
8
والخطأ لا يتغير بالتوبة والاستغفار، بل بالتعلم والاستفادة منه، والعود من جديد إلى القيام بنفس الأفعال على أساس من المناعة ضد الخطأ والاكتساب النظري والعملي للصواب، لا يوجد ملجأ للإنسان إلا عمله، ولا نجاة له إلا بعمله المشترك مع الآخرين أي بالعمل الجماهيري الذي تؤيده حركة التاريخ، إن الحصول على القوة لا يأتي بالدعاء للقوي، وباستجداء واهب القوة بل يحصل عليها بالاستعداد، والحصول على القوة بالفعل.
ثم تنتقل المقدمات الإيمانية التقليدية من محورها الأول، وهو الله، إلى محورها الثاني، وهو الرسول، وهما المحوران اللذان دار حولهما علم أصول الدين في المرحلة العقائدية المتأخرة، وتشرع في الصلاة والتسليم عليه،
9
وفرق بين الصلاة والعلم، بين الترانيم الدينية والتحليلات العقلية، البحث العلمي ليس صلاة، والنظر العقلي ليس دعاء، وسلامة المنهج هو الضامن لليقين، ودقة التحليل هو السبيل إلى الصواب، والتركيز على الرسول بشخصه، وفضله، وكرمه، ومآثره، وفضائله، وسجاياه، تشخيص للرسالة، وتركيز في الوحي على المبلغ إليه، وخلط بين الرسالة والرسول، والنبوة والنبي، ومدح الوحي المشخص في النبي تشخيص للفكر مثل تشخيص الحق، والقدوة لا تعني التبعية لشخص والثناء عليه ومدحه، بل تعني تجربة تاريخية فريدة، وأن الفكر ممكن التحقيق، تجربة يستفاد منها ولكن لا يمتدح محققوها، الهدف هو التجربة، كيف يتحول الفكر إلى واقع، وليس الأشخاص.
ومن مآسي عصرنا تشخيص الأفكار، وعبادة الأشخاص، وقد قوى ذلك فينا الصوفية بنظرياتهم عن «الحقيقة المحمدية»، كما انتشر هذا التيار بيننا لأنه في غياب القدرة على فهم الأمور، وتصور الحقائق، والتعامل مع الأفكار، يستبدل بذلك كله الأشخاص الحسية، والجاهل بما لا يرى يستعيض عنه بما يرى، في حين أن الرسول ما هو إلا مبلغ للوحي، هو مجرد وسيلة لا غاية، فضله من الوحي، ومآثره من الرسالة، وعظمته في الجهاد، وقدوته في الأخلاق مثل أي قائد أو زعيم، فاختياره للرسالة ليس ميزة لشخصه، بل لأن الرسالة لا بد وأن تبلغ من خلال رسول تتوفر فيه شروط الأداء والتبليغ، والتركيز على الاختيار والاصطفاء ليس من الوحي في شيء، وهو أقرب إلى الاصطفاء اليهودي
Election . والوحي يرمي إلى ما بعد الاختيار، وهو التبليغ، وليس إلى اختيار الشخص ذاته، وإلا خلطنا بين الوسيلة والغاية.
10
Unknown page