Min Caqida Ila Thawra Iman
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Genres
ثالثا: كيفية ثبوتها
إذا وجبت الإمامة، وكانت ضرورية بالسمع وبالعقل وبالمصلحة، فكيف تثبت؟ وما الطريق إلى تثبيت الإمام؟ الحقيقة أن الاختيارات عديدة، سواء من حيث العقل أو من حيث الواقع، من حيث الاحتمال النظري أو من حيث التحقيق التاريخي. قد تثبت الإمامة بالنص والتعيين، سواء كان هذا النص في أصل الوحي في القرآن أو في السنة، أو وصية من إمام على إمام. وقد يكون النص كافيا بمفرده، أو يصاحبه دليل آخر من المعجزة أو العقل أو الفعل بالخروج على الإمام الظالم. وقد يشير النص إلى الإمام باسمه وعينه، وقد يشير إليه بصفته ورسمه دون تعيين له كشخص، ثم يسهل التعرف إليه بمطابقة الأوصاف في الأشخاص وتحققها فيهم. وفي الاتجاه نفسه قد تكون الإمامة وراثة، ويقوم الدم فيها بدور النص أو الوصية. وفي اتجاه معارض تماما تكون الإمامة بالبيعة. والبيعة اختيار وعقد، إما من جمهور الأمة وعامة الناس، أو من أهل الحل والعقد، ممثلي الأمة، المحافظين على الشرع، والمدافعين عن مصالح الناس. وقد يتحدد الاختيار للإمام بناء على كثرة الأعمال، أي عن استحقاق شخص للإمام، أو عن تحققها بالغلبة والقهر. وفي هذه الحال تفقد البيعة أساسها الأول، وهو الاختيار الحر. وبالرغم من وجود احتمالات أخرى تجمع بين النص والاختيار، ولكنها في الحقيقة تعينات لهما في التاريخ، ووصف لحوادث معينة، مثل قبول النص في الأئمة الثلاثة الأوائل ثم إلغاء البيعة بعد ذلك، أو قبول البيعة للأئمة الثلاثة الأوائل ثم مبايعتهم بعد ذلك، مما يدل على حدوث الخلاف بعدهم؛ فقد ظل الاختيار بين اتجاهين رئيسيين، ألا وهما ثبوت الإمامة بالنص والتعيين، أو ثبوتها بالعقد والاختيار.
1
أما الاحتمالات الأخرى فقد اندرجت تحت التيارين الرئيسيين ولم يتم تطويرها؛ إذ تندرج الإمامة بالوصية أو الوراثة تحت الإمامة بالنص والتعيين، كما تندرج الإمامة بكثرة الأعمال وبالغلبة تحت الإمامة بالعقد والاختيار، ولكل حالة واقع تاريخي. وكأن هذا الواقع التاريخي هو الذي فرض نفسه كحالة نظرية؛ مما يجعل أمر تجريد النظرية من ملابساتها التاريخية أمرا صعبا (الفصل بين التعيين وإمامة علي والاختيار وإمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز)، حتى لتصعب الإجابة على سؤال: أيهما أصل وأيهما فرع؟ هل النظريتان تنظير للواقع التاريخي، أم أن الواقع التاريخي تحقيق للنظريتين؟ ووصية إمام على إمام بعينه قد تكون صحيحة، ولكنها غير واجبة إذا ما تغيرت المصالح والظروف، خاصة وأن اختيار الجماعة خير من اختيار الفرد حتى ولو كان إماما. وقد يتغلب الهوى على الإمام في وصيته، حتى ولو كان أتى عن بيعة. ويمكن للوصية أن تكون مجرد افتراض، ولا تصبح شرعية إلا ببيعة تعلن عن قبول الناس لها. وفي هذه الحالة لا يستمد الإمام شرعيته من الوصية الأولى، بل من البيعة الثانية. والوصية جائزة في كلتا الحالتين؛ النص والتعيين من ناحية، والعقد والاختيار من ناحية أخرى. الأولى من إمام إلى إمام دونما حاجة إلى توثيقها ببيعة، في حين أن الثانية تبدأ من إمام إلى إمام، ثم تنتهي عن طريق التوثيق بالبيعة.
2
أما الوراثة فإنها تثبت في حال النص والتعيين وتنفى في حالة العقد والاختيار، ولكن الواقع التاريخي أحيانا يناقض الوراثة حين إثباتها.
3
أما كثرة الأعمال فهي أدخل في شروط الإمام بالعقد والاختيار. أما الإمامة بالغلبة والقوة فهي مجرد تبرير لواقع دون تأصيل نظري؛ إذ إنها مناقضة للبيعة والاختيار. (1) هل تثبت الإمامة بالنص والتعيين؟
قد تثبت الإمامة بالنص وحده، وقد يكون النص ضروريا - وإن كان هناك اختلاف في تأويله - أو جليا ظاهرا لا خلاف عليه، أو خفيا مستنبطا مع ذكر العلة. وقد يكون النص مقرونا بدليل من معجزة أو عقل أو خروج.
4 (1-1) النص الجلي والنص الخفي
Unknown page