207

Min Caqida Ila Thawra Cadl

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

Genres

وقد ظهر الموضوع بحدة في العقائد المتأخرة، نفيا للغائية، تنزيها لله عن الغرض، ومستغنيا عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه إليه.

25

فهل يمكن نفي الغائية؟

يقوم نفي الغائية على نفي الغائية والغرض عن الله. فإذا كان من معاني الواجب ما يلحق بتاركه الضرر وبفاعله النفع، فإن ذلك يستحيل على الله لانتفاء الأغراض المقصودة وإلا كان ناقصا مستكملا بالغاية، ومن ثم لا يوجب شيء على الله.

26

ولما كان غرض الفعل خارجا عنه يحصل به وبتوسطه، فإن الله يفعل ابتداء دون حاجة إلى توسط أو تحقيق غاية خارجة عنه وإلا لتسلسلت الأفعال والغايات إلى ما لا نهاية.

27

والحقيقة أن نفي الغاية يقوم على خلط بين مستوى الله ومستوى الإنسان. فإذا كانت أفعال الله لا نهاية لها ولا غاية، فإن أفعال الإنسان لها غاية ونهاية. الغاية في الفعل الإنساني وفي رسالته في التاريخ وليست في ذات الله. لا يعني إثبات الغاية أو الغرض إذن أي تجويز لنقص على ذات الله، فإن المشار إليه هو الإنسان وليس الله. الله ينفع الإنسان وليس الإنسان هو الذي ينفع الله أو الله هو الذي ينفع ذاته. ليست الدوافع والأغراض مزعجات ولا تدل على النقص، وإلا كان ذلك إنكارا للعالم الإنساني. فالإنسان مجموعة من البواعث والدوافع والغايات والمقاصد. لا يعني نقصان الغرض أي جهل أو فوات فرصة أو فشل على الله؛ فالموضوع كله أفعال الله بالنسبة إلى الإنسان وليست أفعال الله في ذاتها. إن للشرائع غرضا. فقد أتت لمصالح العباد وإلا كانت أفعال الله عبثا بلا قصد. ولما كان الوحي ممكن الوقوع وكانت الرسالة ممكنة التحقيق تكون أفعال الله كلها حكمة وقصدا. إن الغائية هي محور التفكير الأصولي والاعتزالي في إقامة الشرع على أساس المصلحة، إنكار العلية إذن إنكار لأساس الشرع والباعث على وجود الوحي. إنكار التعليل إنكار لأساس الشرع.

28

إن تنزيه الله عن الأغراض ليس تنزيها بل تجويز للعبث والتناقض والظلم والجور. ولما كانت الغائية هي الحياة، فإن نفيها يكون موتا للإله وتناقضا مع صفات العلم والقدرة والحياة. وإلا فلماذا يسمع ويتكلم ويبصر ويريد؟ وكيف تبطل العلة الغائية وهي أسمى العلل، أسمى من العلة الفاعلة والعلة المادية والعلة الصورية؟ بل إنها هي العلة الفاعلة الحقة. فالغاية هي الباعث والدافع على الحركة. هي المستقبل والهدف والمصير. وما الفائدة من إثبات غاية لا نعلمها؟ إن هذا إثبات للجهل الإنساني ونفي للعقل أحد مكتسبات العدل. إن وظيفة الغايات معرفتها أولا من أجل تحقيقها ثانيا، المعرفة بالعقل والتحقيق بالحرية. وإذا كان علم أصول الدين معرفة، فإن علم أصول الفقه تحقيق؛ فغاية النظر العمل.

Unknown page