Min Caqida Ila Thawra Cadl
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
14
وليست الغاية من التكليف استحقاق التعظيم؛ لأن التفضيل بالتعظيم قبيح لأن الثواب ليس هدفا إنما الغاية منه تأكيد الإنسانية وتحويلها من مشروع ممكن إلى واقع متحقق. قد يعني التعظيم إمكانية أن يتحول الإنسان إلى إله والقضاء على محدودية الإنسان بفعله، وبالتالي التشبه بالخالق والعودة إليه، فيصبح الخالق وكأن لا أحد معه كما كان. التكليف بهذا المعنى خط مقابل للخلق. فإذا كان الخلق حركة من الله إلى العالم، فإن التكليف يكون حركة من العالم إلى الله. ليس عيب التعظيم أنه يقوم على الحسن والقبح العقليين، بل عيبه أنه يربط الفعل بالجزاء وهو ربط خارجي. نتيجة الأفعال مرتبطة بالأفعال ذاتها. بل إن غياب الاستحقاق لا يطعن في وجوب الفعل. وحدوث الضرر والمشقة والجهد والمعاناة قد يكون كل ذلك أحد مظاهر التحدي الإنساني وإقدامه على الفعل.
15
التكليف نابع من طبيعة الإنسان، والوحي ما هو إلا تأكيد لها. ولا يوجد إنسان، والأولى ألا يوجد نبي أو ولي، ويتمنى ألا يكون إنسانا ذا رسالة، ويتمنى أن يكون جمادا أو طبيعة. ولا يمكن أن يأتي الوحي إلا مؤيدا للطبيعة. وفي إنكار الوحي للتكليف إنكار للوجود الإنساني. كيف يوجد إنسان بلا تكليف؟ ما دام الإنسان قد وجد فرسالته توجد معه. ومن الذي سيقوم بتحقيق الوحي كنظام مثالي للعالم؟ إن الفرق بين الإنسان والجماد هو التكليف، أداء الرسالة والأمانة. وما دام الإنسان حرا عاقلا فإنه يكون بالضرورة مكلفا؛ لذلك يقرن الخلق بالتكليف، فيكون الوجوب للخلق والتكليف معا. وجود الإنسان أداؤه رسالته.
16
وماذا يعني العالم بلا خلق ولا تكليف؟ وكيف يعرف الله بلا خلق ولا تكليف؟ لا تعرف الذات إلا من ذات أخرى ترى في الذات الأولى نفسها كموضوع كما ترى الذات الأولى نفسها في الذات الثانية كموضوع، خروجا من الوحدة الصورية الفارغة.
17
والتكليف داخل في حدود الطاقة الإنسانية لأنه تعبير عن بذل الجهد، وبالتالي يستحيل تكليف ما لا يطاق. وكيف يكون التكليف مجرد كلام من متكلم إلى آخر ليس له شرط إلا الفهم؟ ألا يتضمن الكلام طلبا للفعل، والفعل في حاجة إلى قدرة واستطاعة؟ هل الوحي مجرد كلام مفهوم وليس نداء للفعل ونظاما مثاليا للعالم يتحقق بقدرة الإنسان؟ التكليف قائم على فهم الخطاب وعلى بذل المجهود وليس مجرد فهم نظري دون تحقق عملي. وإذا كان النقل أساس العقل، فإن حتى شرط الفهم لا يكون مطلوبا. صحيح أن التكليف لغويا يكون من أعلى إلى أدنى، وأن الالتماس يكون من المثل، وأن الدعاء والسؤال يكونان من أدنى إلى أعلى، ولكن المسألة ليست علاقة أعلى بأدنى أو أدنى بأعلى أو مثل بمثله، بل التأكيد على وظيفة العقل وغاية الفعل وقدرة الإرادة دفاعا عن الوجود؛ فالوجود نفسه مشروع إيجاد يثبت بالحرية والفعل. إن دعاءنا لله بألا يكلفنا ما لا طاقة لنا به قد تم تحقيقه بالفعل في فرض الصلوات الخمس وليس الخمسين، وفي الناسخ والمنسوخ والانتهاء إلى سماحة الشريعة والاعتراف بالتخفف والضعف والوهن. وهو ما وضعه علماء الأصول في قواعد معروفة باسم: «لا ضرر ولا ضرار»، «الضرورات تبيح المحظورات» ... إلخ. وحجة تكليف إيمان أبي لهب في الجبر وتكليف ما لا يطاق وهدم العقل. وكيف بواقعة واحدة تكون أساسا لعلم بأكمله وهو علم العقائد في العقليات، في أصلي التوحيد والعدل؟
18
لا يجوز إذن تكليف ما لا يطاق، لا فرق في ذلك بين تكليف العاصي الذي علم بعصيانه من قبل كما هو الحال في حال أبي لهب وأبي جهل، وبين تكليف يقوم على الجمع بين الضدين وقلب الحقائق أو التكليف بأمر ممكن غير متعلق بالقدرة.
Unknown page