179

Min Caqida Ila Thawra Cadl

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

Genres

والحسن الخلقي غير الحسن الجمالي في الفن أو في الطبيعة؛ الحسن الخلقي معياري موضوعي والحسن الجمالي ذوقي نسبي ذاتي. وفرق بين القبح الخلقي والقبح الجمالي. القبح الخلقي موضوعي، قبح معياري يعلم باضطرار عقلاني، في حين أن القبح الجمالي ذاتي يختلف باختلاف حال الفرد وباختلاف أذواق الأفراد سواء كان ذلك في مجال الفن أم في مجال الطبيعة. ولا قبح في الطبيعة إلا من حيث وجود الإنسان فيها؛ فالأكوان والاعتمادات والتآليف ليس فيها قبح، وإنما تقبح لكونها عبثا أو ظلما أو مفسدة.

36

إن اختلاف الناس على بداهات العقول لا يقدح في هذه البداهات نفسها، بل يعني عدم إحكام في استخدام العقول أو أن البداهة المتنازع عليها ليست من أوليات العقول، بل ما زالت أهواء أو مصالح أو آراء أو انفعالات أو منازع.

37

إن هدم العقل بحجج جدلية لا يقضي على بداهته؛ فالحجة الجدلية القائمة على القسمة العقلية لا تثبت شيئا لعيوب في المنهج الجدلي ذاته، مثل احتمال كون القسمة غير جامعة ولا مانعة أو عدم التوازي بين القسمة العقلية وجوانب الشيء أو استعمال الخصم للمنهج نفسه، كما أن نفي المعارض العقلي لا يعني إثبات الشيء.

38

وبالإضافة إلى الحجج الجدلية السابقة دفاعا عن العقل وردا على الاتهامات له، هناك حجتان إيجابيتان رئيسيتان؛ الأولى وجود حقائق عامة يجتمع عليها كل العقلاء وأمور يتفق عليها كل الناس، ليس فقط بحكم العادة وميل الطباع إلى اللذات ونفورها من الآلام، بل كحقائق بديهية عامة تكشف عن وجود موضوعي للقيم ولأحكام السلوك العامة. لا خلاف بين العقلاء وإن جاز فإنه إنما يرجع إلى قلة العدد أو إلى قبيل الهوى، ولكن الحقائق متفق عليها على عكس السوفسطائيين ومنكري الحقائق. يختار الإنسان الحسن ويترك القبيح لذاتهما بصرف النظر عما ينتج عن ذلك من جلب المنافع ودفع المضار. يعرف ذلك العقلاء والصبيان دون ما حاجة إلى شرع. ويستطيع الخاصة الوصول إلى ذلك إن لم تستطع العامة الوصول إليه. فاتفاق العقلاء على حقائق بديهية يوجب الملاءمة والمنافرة والكمال والنقص، ويدل على بداهة هذه الحقائق وإلا أصبح السلوك الأخلاقي نفعيا أو ذاتيا صرفا وهدم الأساس الموضوعي له.

39

والثانية أنه إذا ما تساوى الصدق والكذب كطريقين للوصول إلى هدف، فإن الإنسان إلى الصدق أقرب دون أي فرض من نفع أو كسب أو دفع ضرر؛ نظرا لحسن الصدق وقبح الكذب. وبالرغم من أن هذه الحالة قد تكون افتراضية خالصة، إذ لا يتساوى الحسن والقبح تماما، إلا أن الحسن يكون باستمرار أقرب إلى الباعث الأقوى. بل إنه في حالة غلبة القبح فإنه يمكن للحسن أن يغلب بإرادة أقوى والعود إلى الذات والقدرة على تجاوز الظرف المادي وممارسة الحرية في الموقف من أجل تغييره والإفلات من حصاره وضغطه. وعلى هذا النحو ينقلب الحسن إلى القبح بالعود إلى ممارسة الحرية الأولى التي منها انبثق الحسن والقبح أول مرة. إن إمكانية التمييز بين الحق والباطل، وبين الصدق والكذب يثبت موضوعية القيم واستقلال المعاني وشمولها وإمكان الحكم والاختيار.

40

Unknown page