178

Min Caqida Ila Thawra Cadl

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

Genres

إذ لا حاجة لله لأن يحسن ويقبح من خلال العقول؛ فهو قادر على التحسين والتقبيح من خلال الأوامر والنواهي مباشرة ما دام على الإنسان وجوب الطاعة واجتناب المعصية. وهو أيضا هدم للعقل وكأن العقل غير قادر على أن يحسن ويقبح بنفسه، وكأن العقل مجرد انفعال دون فعل، مستقبل دون أن يكون مرسلا، مفعول دون أن يكون فاعلا، وكأنه مجرد ذريعة للغير، مظهر للعقل وليس حقيقة. ومع ذلك لا يرضى عن ذلك دعاة هدم العقل، وينسب القول إلى دعاة إثبات العقول وكأن الوسط يكون باستمرار أقرب إلى أحد الطرفين. وما القول فيمن لم يشعر بذلك بعقله فيقبح ما يحسنه العقل ويحسن ما يقبحه العقل ما دام الأمر ليس منه وليس من حكم العقل؟ أين تكون إرادة الله؟ ألا يعتبر ذلك طعنا في إرادة الله وتشكيكا في مرادها؟ وما القول في ضعاف العقول؟ وكيف تعمل إرادة الله في العقول؟ وكيف تعمل إرادة الله في العقول الضعيفة؟ ولماذا لم تقو عليها فتصححها إذا ما اعتذر الإنسان بضعف العقل؟ وقد تكون الحكمة هي طريق الوجوب التي تجمع بين العقل والله. ولما كانت الحكمة تعبيرا عن العقل يكون العقل طريق الجمع بين نفسه وبين الله، ويكون هو المقياس وهو أحد الطرفين في نفس الوقت ينال الثلثين والله الثلث.

31

وقد تأتي حلول وسط أخرى عن طريق إيجاد وظيفة أخرى للشرع غير وظيفة العقل، فلا تتنازع الاختصاصات، ويبقى تقسيم العمل بينهما. وعلى هذا النحو قد تكون مهمة الشرع الإخبار لا الإثبات، والإعلام لا التقنين.

32

وقد يقتصر دور الله على فعل الأسماء لا الأشياء. فالله له اللفظ، والإنسان له الشيء، والمعنى مناصفة بينهما. ولكن تظل الأشياء لب الألفاظ وجوهرها.

33 (2) إثبات العقل

ولا يحتاج العقل إلى إثبات؛ فهو بديهية لا ينكرها أحد حتى ألد أعداء العقل. معرفة الحسن والقبح إذن معرفة بديهية عقلية وليست مجرد ظن أو اعتقاد، مثل المعارف الرياضية، فالاثنان أكثر من الواحد قضية صحيحة مثل أن الظلم قبيح. وسواء كانت معرفة الحسن والقبح بديهية أو نظرية، ضرورية أو استدلالية، فطرية أو مكتسبة، فكلاهما معرفة عقلية بديهية أو تستند إلى بديهية يجتمع عليهما كل العقلاء اضطرارا. وكلاهما معنى، ولا فرق بين غياب المعنى ووجود اللامعنى أو وجود معنى غير معقول؛ إذ إن إثبات معنى بلا موقف وقوع في التجريد ونسيان للإنسان.

34

والحجج لإثبات الحسن والقبح العقليين كثيرة من طبيعة العقل والمعقول وباتفاق العقلاء على حقائق عامة واحدة لا تختلف من فرد إلى فرد أو من زمان إلى زمان أو من مكان إلى مكان. الحسن معياري لا يتغير من فرد عاقل إلى فرد آخر عاقل. واعتقاد المجبرة حسن القبح لا ينفي قبحه لأنه خطأ في المعرفة. واختلاف القبيح بالنسبة إلى العادات لا يعني عدم وجود القبح المعياري؛ فالمعيار أساس الحكم.

35

Unknown page