177

Min Caqida Ila Thawra Cadl

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

Genres

فقد يكون العقل قادرا على إدراك المعارف العقلية وحدها دون الشرعية. فقد تكون المدركات العقلية مثل حسن العلم والإيمان وقبح الجهل والكفر سواء بديهية أو نظرية، وقد تكون سمعية مثل حسن الإثبات بالطاعات وقبح ارتكاب المنهيات.

27

وإذا كانت القبائح العقلية تعرف ضرورة أو استدلالا، فإن القبائح الشرعية قد لا تعرف ضرورة على الإطلاق، بل تعرف استدلالا لأنه لا مدخل فيها للضرورة إلا إذا ارتدت إلى الأصول. أما القبائح العقلية مثل الظلم والكذب فهي ضرورية. قد تعلم القبائح الشرعية على الجملة وعلى التفصيل بالاستدلال. تعرف القبائح العقلية ضرورة والشرعية استدلالا.

28

والحقيقة أن الفصل بين الأفعال العقلية والأفعال الشرعية فصل لا مبرر له؛ الأفعال وحدة حية في الشعور وقائمة على العقل وهادفة إلى غاية. ويمكن معرفة جنس الأفعال الشرعية عقلا إما من الناحية البدنية أو الشعورية أو الاجتماعية. ولا يهم أن يكون ذلك عن ضرورة أو استدلال، فكلاهما طريقان للمعرفة. وإذا كانت العلوم الشرعية جزءا من العلوم النظرية الاستدلالية، فكيف يحدث أن بعض الموضوعات تعلم بالعقل والأخرى بالشرع؟ ولو جاوزت بعض الموضوعات العقل لانهدم العقل وانهدمت العلوم النظرية. وكيف تعلم العلوم النظرية بالعقل والأمور العملية بالشرع في حين أن الموضوعات العقائدية أصعب فهما من الموضوعات العملية؟ وإذا كانت غاية الوحي هي تعقيل السلوك وتنظير حياة الإنسان، فكيف يتم ذلك في الأمور النظرية دون الأمور العملية؟ وهل العقائد أكثر استعدادا للتنظير من الشرائع؟

ويمكن للعقل أن يصل إلى حقائق الشرع دون الاعتماد في ذلك على النقل، وإلا فلا مكان لإثبات وجود الصانع وصفاته عقلا بشرط المطابقة مع النقل وإلا كانت كتأملات الفلاسفة التي يعتمد فيها على العقل الخالص دون شرط المطابقة. والمطابقة هنا خارجية صرفة مع شيء آخر غير العقل، وكأن العقل لا يتطابق مع ذاته في نظرية الاتساق مع الواقع وهو المعنى الشائع للمطابقة.

وقد يأتي حل متوسط بأن تحصل المعارف بالعقل ولكنها لا تجب إلا بالشرع.

29

ومناط التحقيق هو المعرفة لا الوجوب. وسؤال الوجوب تال على المعرفة. فإما تجب عقلا أو تجب شرعا. والقول بأن الله هو الذي حسن وقبح في عقول بني آدم هو مسك للعصا من المنتصف، لا يرضي العقل ولا الشرع.

30

Unknown page