Min Caqida Ila Thawra Cadl
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
الأجل لغويا هو الوقت، والآجال هي الأوقات، أوقات مخصوصة نحو الحياة والموت، ويتفاوت الوقت أحيانا بين أن يكون وصفا للوجود الإنساني أو وصفا للموجود الطبيعي.
45
ولكن المقصود هنا بالأجل هو الوقت الإنساني أي العمر؛ يعني الأجل إذن الحياة الزمنية والوجود الزماني وليس الوقت الطبيعي زمان الأفلاك وولوج الليل في النهار والنهار في الليل. الزمان توتر وطاقة وجهد وليس حسابا وعددا وحركة طبيعية، ومع ذلك يحاول القدماء عدم تخصيص الزمان بالوجود الإنساني وحده، بل تعميمه على جميع أجناس الموجودات، ربما لإثبات العالم ونهاية الأشياء بنهاية الزمان الطبيعية أو لإثبات قدم الصانع وخلود النفس، وتجديد الوقت في الحقيقة ليس مقولة للأشياء، بل وصف للشعور الداخلي بالزمان، ولماذا إثبات أوقات لا نهاية لها والإنسان متناه في الزمان؟ وقد يفيد الأجل أيضا قضاء الدين للمعسر، وكأن الحياة هي المال، وكأن عمر الإنسان هو قضاء للدين، وكأن انقضاء أجل الدين هو انقضاء العمر، فأداء الدين حياة قبل الأجلين، أجل الدين وأجل الإنسان!
ويحلل القدماء الآجال بطريقتين لتحديد السبب في البداية وهو الموت أو السبب في النهاية وهو انقضاء الأجل، فهل الموت قتلا بالسكين يكون موتا بالأجل أم موتا بالآلة أم موتا بالقتل أو موتا في المقتول أو موتا في القاتل؟ وهنا يسار إلى التولد من جديد لمعرفة سبب القتل؛ الله أم تولد الفعل عن القاتل، وفي هذه الحالة يمكن وصف عملية القتل وصفا طبيعيا جسميا خالصا. فالقتل حز الرقبة، أعراض أي حركات في يد الضارب بالسيف وافتراقات في أجزاء رقبة المضروب اقترب بها عرض آخر وهو الموت، فإن لم يكن بين الحز والموت ارتباط لم يلزم من تقدير نفي الحز نفي الموت، فالاقتران بالعادة، وللموت علل أخرى وأسباب باطنة غير الحز عند القائلين بالعلل إلا إذا انتفت العلل، وهنا يبدو أن الأمر ليس موضوعا طبيعيا صرفا، بل الغاية منه إثبات قدرة خارجية تكون سبب الموت دون ما نظر في حياة الإنسان وسبب الموت المباشر، وهو على هذا النحو هروب من الموضوع وفقد لمدلوله، ويمكن تحليل الموت الطبيعي بدقة وتفصيل أكثر ثم الانتهاء إلى مجموعة من العلل تؤدي إلى علة أولى، وبالتالي ترجع المشكلة إلى أصلها.
46
إن الموت الطبيعي بانقضاء شروط الحياة وتحلل الأجسام، أي الموت العضوي؛ هو من حيث العلم لا من حيث الإنسان والمجتمع والحياة، وحديث حز الرقبة إنما يشير إلى السبب المباشر في المعامل الجنائية مثل أسفكسيا الغرق أو نزيف المخ.
47
وعلى الطرف النقيض من تحديد الأجل بالموت يتم تحديد الأجل بالقضاء والقدر؛ فكل مقتول ميت بأجله، وبالتالي يكون الموت هنا أحد موضوعات الجبر والاختيار قبل أن يكون بداية موضوع آخر بلحظة الموت أو ما بعدها وهو موضوع المعاد.
48
فالمقتول ميت لأجله والأجل واحد، والله خلق الآجال وقدرها.
Unknown page