Min Caqida Ila Thawra Cadl

Hasan Hanafi d. 1443 AH
139

Min Caqida Ila Thawra Cadl

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

Genres

25

إن البناء الفردي أو الجماعي الذي يقوم على العون الخارجي يفقد حريته واستقلاله بالضرورة، فالعون في هذه الحالة تبعية، وفقدان للإرادة المستقلة وارتهان لها طالما استمر العون، والعون الخارجي بطبيعته مشروط بالطاعة والولاء له، يقابل العون إذن الاعتماد على النفس، وتقوية الذات، والاستعانة بالآخرين.

وليس صحيحا أن العون محايد غير مشروط وغير موجه، وإلا فما مقياس إعطاء العون لهذا دون ذاك؟ لذلك قد يرفض العون أحيانا إن كان مشروطا، يهدف إلى القضاء على استقلال الإرادة وحرية الفعل، والتيسير مثل العون، مجرد قدرة الإنسان على فعل أي شيء، وهو أيضا ليس من فعل إرادة خارجية من حيث هي إرادة مسيطرة، بل هو فعل الإنسان من حيث هو إنسان فاعل، وكأن مجرد إتيان الإنسان لفعل وحدوث ذلك الفعل أمر غريب لا يتأتى إلا بتدخل قوة خارجية تجعل فعله ممكنا وتسهل له الأمور وتذلل له العقبات.

26

وقد يكون التيسير أيضا مثل العون استدراجا لارتهان الإرادة المستقلة، إعطاء للقليل بيد وأخذ بالكثير باليد الأخرى.

27 (1-5) الطبع والختم

وهما لفظان متجانسان سلبا، يقابلهما الشرح والفتح، ولكن التركيز عليهما سلبا أكثر من التركيز عليهما إيجابا، وكأن الله يفعل الشر أكثر من فعله للخير، أليس ذلك سوداوية وتشاؤما وعداء للإنسان؟ وكيف يصدر عن الله الشر؟ كيف يصدر الشر عن الخير؟ وهل يتم الطبع والختم بأفعال الله مباشرة من الخارج أم أنها تتم بفعل الطبع والخلقة؟ وهل الخلقة طبع مستمر ودائم لا تغيير فيه؟ وهل الطبيعة شر أكثر منها خير؟ إن الطبيعة مفتوحة متغيرة وقابلة للتعديل والتقدم والازدهار، الطبيعة متجهة نحو الكمال، الطبيعة خيرة يولد فيها الإنسان خيرا حرا قبل أن يصبح شريرا مجبرا، ليست الخلقة شعورا مبهما مستغلقا خاملا، بل هي شعور واضح مفتوح يقظ لا يتحول إلى شعور مضاد إلا بفعل التربية وبضغط المجتمع وبقهر السياسة، ليست الخلقة حتمية أبدية مطردة، مرة واحدة وإلى الأبد، بل هي خلقة متحولة متغيرة متبدلة، طيعة لخلق الأفعال. وأي معنى للحرية وأية فرصة لها إذا كان الطبع هو السائد، والفعل الإلهي هو الخاتم؟ ومتى يتميز الطبع من الشرح والفتح من الختم؟ إذا حدث التمييز طبقا لفعل الإنسان واختياره يكون لفعله الأولوية على الفعل الإلهي ويفرض اختياره الحر على الاختيار الإلهي المجبر، وإذا كان بما لا مقياس للتمييز فإن الفعل الإلهي يصبح بلا مبرر، عشوائيا بالمصادفة أو تمييزا بلا سبب، وهو ما يناقض الاستحقاق وتكافؤ الفرص والعدل، وإن انتظر الإنسان الشرح والفتح، ودعا برفع الختم والطبع، فإن ذلك يكون إدانة لكل جهد وإلغاء لكل محاولة ذاتية للفعل، ولا يكون أمام الإنسان إلا انتظار المخلص أو الاستسلام للقدر المحتوم، إن الختم والطبع تجربتان نفسيتان للغموض النظري ونقص الوعي الفردي أو الاجتماعي، وليسا نتيجة مسبقة لتدخل إرادة خارجية مشخصة، وليس الشرح والفتح معطيين مسبقين أبديين، بل هما نتيجتان يتحول فيهما الغموض إلى وضوح وغياب الوعي إلى حضوره من خلال الفعل الذاتي وليس نتيجة لإرادة خارجية مشخصة. إن أفعال الشعور الفردية مرتبطة بكيانه الذاتي وتعبر عن استقلال الإرادة والقدرة على التمييز والاختيار الحر.

28 (1-6) العصمة

وتعني العصمة في الأصل اللغوي المنع، أما في معناها الاصطلاحي فتعني وقوع فعل مع غياب الموانع أمامه، وكأن الإنسان مدفوع بجبره الذاتي وبفعل طبيعته وبتوجهه نحو هدفه ومصيره، وبهذا المعنى يكون اللطف عصمة لأنه امتناع عن القبيح. والحقيقة أن فهم العصمة على أنها طبيعة وليس على أنها لطف لا تقضي على حرية أفعال الوعي الفردي، بل تكون عاملا مساعدا ومقويا تقوم على قوة البواعث الداخلية والإحساس بالرسالة واتباع الطبيعة، ومع ذلك يظل الإشكال قائما؟ كيف يكون الإنسان مكلفا ومعصوما؟ وكيف تتم محاسبة فعل العصمة ما دام الاختيار بين الحسن والقبح ليس قائما؟ وماذا لو احتج البعض بالإمام المعصوم وأعطوه العصمة المطلقة وهو نوع من الجبر نحو الخير وبالتالي تنتفي المسئولية وتضيع حرية الاختيار؟ قد تعني العصمة مجرد الاسم أو الحكم أو الإبلاغ والإخبار أي الوصف الخارجي للشيء دون فعله، وقد تكون ثوابا وجزاء بعد الفعل وليس فعلا قبل الفعل، ولا تأتي العصمة نتيجة للدعاء أو للوعد والوعيد، فذلك مجرد تمن نظري وجداني انفعالي لا يأتي بشيء فعلي، إنما الزيادة في الفعل تأتي من الطبيعة، ومن القدرة على اتباعها، وهنا يتفاضل الناس في صدق الفعل. قد تكون العصمة ما يعطي صلاحا عاما للناس بدافع الطبيعة، وهو أمر مشاهد في سير الأنبياء والزعماء والأبطال.

29 (1-7) الاستثناء في الإيمان

Unknown page