Miftāḥ al-saʿāda
مفتاح السعادة
Genres
ومنها ما روى أن أبا محمد المزين وكان ظريفا قال: إذا أعطيت كتابي يوم القيامة قلت: قد عرفت ما فيه ولكن هل أسأل عن شيء أتيته باختياري أم عن شيء خلق في؟ إن قالوا: عن شيء أتيته باختيارك قلت: يا رب عبدك الضعيف أخطأ وأساء، وعلى عفوك وفضلك توكل، فإن عفوت فبرحمتك، وإن عذبت فبعدلك، وإن قالوا: خلق فيك وقضى عليك، قلت: يا معشر الخلائق العدل الذي كنا نسمع به في الدنيا ليس هاهنا منه قليل ولا كثير إلى غير ذلك من الحكايات، وما جرى من المناظرات الدالة على بطلان مذهب أهل الجبر، وسيمر بك إن شاء الله شيء منها في المواضع المناسبة لها.
تنبيه [في ترجيح مذهب العدلية]
قد تقدم ذكر الخلاف في أفعال العباد وبيان الأدلة، إلا أن في المتولدات نوعا آخر من الخلاف لاينبغي إهمال التنبيه عليه وإن كان إبطاله داخلا فيما تقدم من تصحيح مذهب الفرقة الناجية، فنقول: كل شيء يتولد عن فعل العبد فهو فعله عند جمهور العدلية.
وقال الجاحظ: ليس للعبد إلا الإرادة، فإنها واقعة باختياره دون ما عداها من المعرفة وأفعال الجوارح، فذلك وقع بطبع المحل.
قال (القرشي): وبه قال النظام ومعمر فيما يتعدى محل القدرة، إلا أن النظام يجعله بواسطة طبع المحل، والذي حكاه السيد مانكديم عنهما أن هذه الحوادث التي تحدث في الجمادات فإنما تحصل فيها بطبع المحل، وقال ثمامة: ما عدا الإرادة حدث لا محدث له.
قال السيد (مانكديم): ولعل شبهة الجيمع واحدة، فإنهم لما رأوا تعلقها بالفاعل قالوا: لا بد أن يكون للاختيار مدخل فيه، ولما رأوا وجوب وقوع المراد عند حدوث الإرادة، ووجوب وقوع المسبب عند حصول السبب أخرجوه عن التعلق بالفاعل أصلا على حسب اختلافهم في تعليقه بالطبع، أو جعله حدثا لا محدث له كما مر.
Page 209