Methodology of the Salaf in Defending the Creed
منهج السلف في الدفاع عن العقيدة
Genres
منهج السلف في الدفاع عن العقيدة
د. عبدالمجيد بن محمد الوعلان
Unknown page
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويُبصّرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم.
ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتنة المضلين" (^١).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بعث نبيه بالحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
موضوع البحث:
منهج السلف في الدفاع عن العقيدة.
مشكلة البحث:
إن الدفاع عن العقيدة من أهم الأمور، - وقد زعم بعض الناس أن السلف ليس لهم منهجا يسيرون عليه في دفاعهم عن العقيدة، وإنما هي اجتهادات فردية ليست مبنية على أصول وقواعد وضوابط، - ولأهمية هذا الموضوع وخصوصًا في هذا الوقت الذي نحن بأمس الحاجة لبيان منهج السلف في الدفاع عن العقيدة حتى نحتذي حذوهم في الدفاع عنها، ليحصل التوفيق - بإذن الله-، وحتى لا يلحق بمنهج السلف ما ليس منه من أخطاء قد تقع بسب اجتهاد أو زلة أو نحو ذلك.
_________
(^١) انظر: مقدمة كتاب الرد على الجهمية والزنادقة، للإمام أحمد بن حنبل.
1 / 1
حدود البحث:
سيقتصر البحث على:
أولًا: بيان مشروعية الدفاع عن العقيدة.
ثانيا: أسباب الدفاع عن عقيدة السلف.
ثالثا: أهم خصائص وسمات منهج السلف في الدفاع عن العقيدة.
رابعا: المنهج العلمي للسلف في الدفاع عن العقيدة.
خامسا: المنهج الأخلاقي للسلف في الدفاع عن العقيدة.
مصطلحات البحث:
الخصائص: جمع الخَصِيصَة: وهي الصفة التي تميز الشيءَ وتحدّده (^١).
السمات: جمع سِمَة، وهي: خَصلة أو سجيَّة ما يمكن أن يعتمد عليها في التفريق بين شخص معيَّن وآخر (^٢).
الدراسات السابقة:
بمراجعة الباحث للمظان العلمية للدراسات المتعلقة بالبحث؛ وقف الباحث على عدد من الرسائل العلمية والمؤلفات التي تعنى ببيان جهود السلف في تقرير العقيدة والدفاع عنها، والرد على المخالف (^٣) مع تركيزها على جهودهم، وهذا البحث يعنى ببيان الأسباب والدوافع عند السلف في الدفاع عن العقيدة مع ذكر أهم الخصائص والسمات، والمنهج العلمي والأخلاقي.
أهداف البحث:
١ - بيان مشروعية الدفاع عن العقيدة.
٢ - أسباب دفاع السلف عن العقيدة.
٣ - بيان منهج السلف في الدفاع عن العقيدة.
أسئلة البحث:
١ - ما مشروعية الدفاع عن العقيدة؟
٢ - ما أسباب دفاع السلف عن العقيدة؟
٣ - ما منهج السلف في الدفاع عن العقيدة؟
_________
(^١) معجم اللغة العربية المعاصرة، د. أحمد مختار عبد الحميد: ١/ ٦٥٢.
(^٢) المرجع السابق: ٣/ ٢٤٤٢.
(^٣) ولمعرفة بعض ما كتبه علماء السلف في الدفاع عن العقيدة وتقريرها انظر: المصادر العلمية في الدفاع عن العقيدة السلفية، لمحمد المغراوي، وتاريخ تدوين العقيدة السلفية، لعبد السلام آل عبد الكريم، ومجموعة من الرسائل العلمية الجامعية بعنوان: جهود علماء السلف في تقرير العقيدة والدفاع عنها، ومنهج أهل السنة والجماعة في تدوين علم العقيدة إلى نهاية القرن الثالث الهجري، د. ناصر الحنيني، وتدوين علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة، ليوسف بن علي الطريف.
1 / 2
منهج البحث وإجراءاته:
سلك الباحث في دراسته المنهج الوصفي، حيث يقوم بقراءة وتحليل واستنباط المادة العلمية ذات الصلة بمحاور الدراسة من مظانها العلمية، بما يخدم الدراسة ويحقق أهدافها. وسيعزو الآيات إلى أماكنها في القرآن، وذلك ببيان اسم السورة ورقم الآية ووضعها بين قوسين ﴿﴾، ويخرج الأحاديث والآثار، وذلك بذكر المصدر ورقم الحديث، ونقل كلام أهل العلم عليها إن لم تكن في الصحيحين أو أحدهما.
خطة البحث
تشتمل خطة البحث على: مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة.
المقدمة: وتشتمل على موضوع البحث، ومشكلته، وحدوده، ومصطلحاته، والدراسات السابقة، وأهداف البحث، ومنهجه وإجراءاته، وخطة البحث.
التمهيد: يشمل على ثلاث مباحث:
المبحث الأول: تعريف المنهج لغة واصطلاحًا.
المبحث الثاني: تعريف السلف لغة واصطلاحا.
المبحث الثالث: بيان أهمية معرفة منهج السلف في الدفاع عن العقيدة.
الفصل الأول: بيان مشروعية الدفاع عن العقيدة.
الفصل الثاني: أسباب دفاع السلف عن العقيدة ومنها:
١ - حفظ الدين، وبيان كمال هذه الشريعة.
٢ - كشف شبهات المبطلين، واستبانة سبيل المجرمين.
٣ - خطورة انتشار العقائد الضالة على المجتمع المسلم، وظهور التفرق والاختلاف في الأمة.
٤ - جواب السؤال، والحاجة إلى البيان.
٥ - ظهور أو انتشار بدعة أو مخالفة معينة بين المسلمين.
1 / 3
الفصل الثالث: منهج السلف في الدفاع عن العقيدة ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: خصائص وسمات منهج السلف في الدفاع عن العقيدة وهي:
١ - الاستدلال بالكتاب والسنة والتسليم لها.
٢ - الاسترشاد بفهم الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
٣ - الاستدلال بالأدلة العقلية، والفطرة.
٤ - رد الأفكار والتأويلات الباطلة.
٥ - تقدير المصلحة والمفسدة في الرد.
٦ - ترك الجدل والمراء والخصومة في الدين.
٧ - ذم البدع والأهواء.
٨ - الأهلية والاستقامة.
المبحث الثاني: المنهج العلمي للسلف في الدفاع عن العقيدة:
١ - العمل بالمحكم والإيمان بالمتشابه.
٢ - تقديم النقل على العقل وعدم معارضة النصوص بالقواعد العقلية.
٣ - الرجوع إلى اللغة.
٤ - التركيز في الدفاع عن العقيدة على نفس المعتقد بغض النظر عن قائله، وقد يذكرونه أحيانا؛ إذا اقتضت المصلحة.
٥ - الالتزام بالمصطلحات الشرعية.
٦ - وضوح الأسلوب، وحسن الصياغة.
٧ - توثيق كلام المردود عليهم من كتبهم.
المبحث الثالث: المنهج الأخلاقي للسلف في الدفاع عن العقيدة:
١ - العدل والإنصاف.
٢ - سلامة الصدر.
٣ - التواضع.
٤ - إحسان الظن.
٥ - الرحمة.
الخاتمة: وفيها أبرز النتائج، والتوصيات.
أسأل الله ﷿ أن يكون خالصا لوجه الكريم.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د: عبد المجيد بن محمد الوعلان
awalaan@gmail.com
1 / 4
التمهيد
المبحث الأول: تعريف المنهج لغة واصطلاحا
المنهج لغة: مفعل من مادة "نهج" ينهج نهجًا، وهو الطريق المستقيم البين. ونهج الطريق: أبانه، وأوضحه، ونهجه: سلكه، والمنهاج: الطريق الواضح (^١).
واستنهج الطريق: صار نهجا، وفلان نهج سبيل فلان، أي: سلك مسلكه (^٢)، قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨]، قال ابن عباس ﵄: " سبيلا وسنة" (^٣).
أما تعريفه في الاصطلاح: فقد عرف بتعريفات كثيرة منها:
١ - هو الطريق المؤدي إلى التعرف على الحقيقة في العلوم، بواسطة طائفة من القواعد العامة، والتي تهيمن على سير العقل، وتحدد عملياته، حتى يصل إلى نتيجة معلومة.
٢ - هو القانون أو القاعدة التي تحكم أي محاولة للدراسة العلمية في أي مجال.
٣ - القواعد العلمية التي يسلكها العقل في حركته للبحث عن الحقيقة في أي مجال من مجالات المعرفة (^٤).
وهذه التعريفات واحدة في المعنى وإن اختلف التعبير عنها باللفظ، لأن مدارها على القواعد التي يسير بها الباحث عند إرادته بحث أي مسألة علمية (^٥).
"وكان العلماء المسلمون يعبرون عن المنهج بالأصول والقواعد" (^٦).
_________
(^١) مختار الصحاح، للرازي: ٥٨٥.
(^٢) القاموس المحيط، للفيروزآبادي: ١٩٠.
(^٣) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: قول النبي ﷺ: "بني الإسلام على خمس": ٢٥.
(^٤) انظر: العلم والبحث العلمي، لحسين رشوان: ١٤٣، ومنهج البحث العلمي عند العرب، لجلال موسى: ٢٧١، ومناهج البحث العلمي، د. عبد الرحمن بدوي.
(^٥) مناهج البحث في العقيدة، د. يوسف السعيد: ٢٦٣.
(^٦) منهج كتابة التاريخ الإسلامي، د. محمد بن صامل السلمي: ٨٩.
1 / 5
المبحث الثاني: تعريف السلف لغة واصطلاحا
السلف اللغة:
يقال: سَلَف يسَلُف وسُلُوفا. والسالف: المتقدم، والسلف والسليف والسُلْفَة: الجماعة المتقدمون. والقوم السُلاف: المتقدمون. وسَلَفُ الرجل آباؤه المتقدمون، والجمع أسلاف وسُلاف.
والسلف: من تقدمك من آبائك وذوي قرابتك الذين هم فوقك في السن والفضل، وأحدهم سالف. والأمم السالفة: الأمم الغابرة أو الماضية وتجمع على سوالف (^١).
المراد بالسلف:
يراد بهم تاريخيًا: أصحاب القرون المفضلة من الصحابة والتابعين وتابعيهم ممن شهد لهم رسول الله ﷺ بالخيرية (^٢)، وذلك في الحديث الذي رواه عن عمران بن حصين رضى الله عنه أن النبي ﷺ قال: " خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثًا، "ثم إن بعدكم قومًا يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن" (^٣).
فأصحاب هذه القرون أفضل الأمة وأكرم الخلق بعد النبيين، وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون والأئمة الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، قال ﷾ عنهم: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)﴾ [التوبة: ١٠٠].
وقد أخبر النبي ﷺ ببقاء هذه الطائفة فقال: " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك " (^٤)، وقال ﷺ: " وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" (^٥).
فيتضح من الحديثين السابقين بقاء هذه الطائفة، وأنها من كان على مثل ما عليه النبي ﷺ وأصحابه وهم السلف، فالعبرة في ذلك بالطريقة التي ساروا عليها والمنهج الذي سلكوه، فمن تمسك بالكتاب والسنة وسار على نهج الصحابة والتابعين في فهمهما والعمل بهما فهو منهم؛ وإن عاش في القرون المتأخرة، ومن خالف منهجهم فليس منهم وإن عاش بين أظهرهم.
_________
(^١) انظر: تهذيب اللغة، للأزهري: ١٢/ ٤٣١ - ٤٣٢ "مادة سلف"، ولسان العرب، لابن منظور: ٣/ ٢٠٦٨ - ٢٠٧٠ مادة "سلف"، والقاموس المحيط: ٧٣٨.
(^٢) انظر: الرسالة التدمرية، لشيخ الإسلام ابن تيمية: ٢٣٦، ولوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية، للسفاريني: ١/ ٢٠، وشرح الطحاوية في العقيدة السلفية، لابن أبي العز الحنفي: ٢٨.
(^٣) رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل أصحاب النبي ﷺ، ورضي الله عنهم، رقم (٣٦٥٠).
(^٤) صحيح البخاري، كتاب المناقب، رقم (٣٦٤١).
(^٥) سنن أبي داود، كتاب السنة، باب: شرح السنة رقم (٤٥٩٦)، وسنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب: ما جاء في افتراق هذه الأمة رقم (٢٦٤٠)، وقال: "حديث حسن صحيح".
1 / 6
المبحث الثالث: بيان أهمية معرفة منهج السلف في الدفاع عن العقيدة:
إن العناية بمعرفة منهج السلف في الدفاع عن العقيدة هو من العناية بالعقيدة الإسلامية نفسها؛ لأن في ذلك اهتمام بها، وتلمس لمصادرها، وتصفية لها مما يشوبها من البدع، وتلق لها عن النبي ﷺ وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
"فمعرفة منهج السلف في الدفاع عن العقيدة يعطي الباحث قوة في الاستدلال والرد على المخالفين؛ نظرًا لوضوح الأثر القوي والفعال في كتب السلف مع أنها أقل بكثير من كتب المتأخرين، وكذلك فإن قوة بعض علماء أهل السنة العلمية التي ظهرت من خلال تقريرهم لمسائل الاعتقاد والرد على المخالفين، كان من أعظم الأسباب: اعتمادهم على منهج السلف في تقرير وتدوين مسائل العقيدة ... وتبرز الأهمية أكثر في العصور المتأخرة التي قل فيها العلم المؤصل على المنهج الصحيح والله المستعان" (^١).
قال عبد الله بن مسعود ﵁: " من كان مستنًا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب رسول الله ﷺ أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم" (^٢).
وقال الإمام الشافعي ﵀: " هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب يُنال به علم أو يُدرك به هدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا" (^٣).
وقال ابن رجب -رحمه الله تعالى-: " وفي كلامهم -أي السلف- من رد الأقوال المخالفة للسنة بألطف إشارة وأحسن عبارة بحيث يغني ذلك من فهمه عن إطالة المتكلمين في ذلك بعدهم؛ بل ربما لم يتضمن تطويل كلام من بعدهم من الصواب في ذلك ما تضمنه كلام السلف والأئمة مع اختصاره وإيجازه.
وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة، ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يُبين بطلانه لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة ما لا يهتدى إليه من بعدهم ولا يلم به.
_________
(^١) منهج أهل السنة والجماعة في تدوين علم العقيدة إلى نهاية القرن الثالث الهجري، ناصر بن يحيى الحنيني: ١/ ٦٨.
(^٢) مجموع الفتاوى، لابن تيمية: ٣/ ١٢٦، وأورد ابن عبدالبر نحوه في جامع بيان العلم وفضله، رقم (١٨١١): ٢/ ٩٤٨.
(^٣) مجموع الفتاوى: ٤/ ١٥٧، وانظر: اهتمام علماء المسلمين بعقيدة السلف، د. أبو اليزيد العجمي، مجلة البحوث الإسلامية، العدد (١٥) الصادر عام ١٤٠٦ هـ
1 / 7
فمن لم يأخذ العلم من كلامهم فاته ذلك الخير كله مع ما يقع في كثير من الباطل متابعة لمن تأخر عنهم، قال الأوزاعي: " العلم ما جاء به أصحاب محمد ﷺ فما كان غير ذلك فليس بعلم" (^١)، " (^٢).
وتكمن أهمية معرفة منهج السلف في الدفاع عن العقيدة في وضع منهج واضح المعالم في الرد والمناقشة للمخالفين فإن "مما يظهر أهمية الرد على المخالفين والدفاع عن عقيدة الأمة: وضع منهج واضح للعلماء، ولطلبة العلم إذا أرادوا إبطال أي شبهة أو الرد على أي انحراف، بحيث تؤتي هذه الجهود المباركة ثمارها المرجوة منها من تصحيح لما فسد في المعتقد، وإبطال لتلبيس الملبسين، وغيرها من الثمار، والمصالح التي تنتج عن الالتزام بالمنهج الصحيح في الرد والمناقشة.
ومن هنا نؤكد على أهمية الدفاع عن العقيدة والرد على المبطلين ليس لأجل الرد على أهل الباطل فحسب، بل لأجل وضع منهج واضح المعالم لمن يأتي من أجيال الأمة" (^٣).
_________
(^١) جامع بيان العلم وفضله رقم (١٠٦٧)، (١٤٢١): ١/ ٦١٨، ١/ ٧٦٩.
(^٢) فضل علم السلف على الخلف،: ٣٤ - ٤٢.
(^٣) منهج أهل السنة والجماعة في تدوين علم العقيدة: ٢/ ٨٣٤.
1 / 8
الفصل الأول: بيان مشروعية الدفاع عن العقيدة
إن الدفاع عن العقيدة من أهم المهمات فهو نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله، قال الله تعالى لنبيه ﷺ وهو في مكة: ﴿الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: الآية ٥٢]، فهو جهاد بالحجة والبيان. وقال ﷺ: " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" (^١).
وسأنقل في هذا الفصل من كلام أهل العلم ما يبين مشروعية الدفاع عن العقيدة، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى عصرنا هذا.
قال الشيخ بكر أبو زيد ﵀: "فهذه أبحاث، من ضنائن العلم، وغواليه، لأنها تحمل إعلان الصوت الإسلامي عاليًا، والقلم له راقمًا، بإظهار شعار من شعائر علماء الأمة الإسلامية، وبيان وظيفة من وظائفهم الملية، وتقرير أصول من أصولها التعبدية هو: " مشروعية الرد على كل مخالف بمخالفته، وأخذه بذنبه، وإدانته بجريرته، "ولا يجني جانٍ إلا على نفسه".
كل هذا "لحراسة الدين" وحمايته من العاديات عليه، وعلى أهله، من خلال هذه "الوظيفة الجهادية" التي دأبها: الحنين إلى الدين، والرحمة بالإنسانية، لتعيش تحت مظلته: تكف العدوان، وتصد المعتدين، وتُقيم سوق الأمر بالمعروف، ورأسه "التوحيد"، والنهي عن المنكر وأصله "الشرك".
وتُقيمُ: طول الإسلام، وقوته، وظهوره، على الدين كله ولو كره المشركون، وتحطم الأهواء ولو كره المبتدعون، والفجور ولو كره الفاسقون، والجور ولو كره الظالمون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ -رحمه الله تعالى- في بيان منزلة هذه الوظيفة: " فالمرصدون للعلم، عليهم للأمة حفظ الدين، وتبليغه، فإذا لم يبلغوهم علم الدين، أو ضيعوا حفظه، كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ [البقرة: ١٥٩]. فإن ضرر كتمانهم تعدى إلى البهائم وغيرها، فلعنهم اللاعنون حتى البهائم" (^٢).
_________
(^١) سنن أبي داود: كتاب الجهاد، باب: كراهية ترك الغزو، رقم (٢٥٠٤).
(^٢) مجموع الفتاوى: ٦/ ٣٤٧.
1 / 9
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في موقف أهل السنة من دفع البدعة: " واشتد نكير السلف والأئمة لها، وصاحوا بأهلها، من أقطار الأرض وحذروا فتنتهم أشد التحذير، وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش، والظلم، والعدوان، إذ مضرة البدع، وهدمها للدين، ومنافاتها له أشد" (^١).
والمراد بهذه الأبحاث، حمل النفوس، على إعمال هذه السنة الماضية، في حياة المسلمين الجهادية الدفاعية، عن حرمات الإسلام، وأنها من حقوق الله التعبدية، من جنس الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لاسيما والحاجة إليها ملحة في هذه الأزمنة.
ألا إن النفير خفافًا وثقالًا، لنثل السهام من كنانة الحق للرد على هؤلاء - أي أصحاب الدعوات الباطلة- وأمثالهم، ونقض شبههم، وكشف فتونهم، وتعريتهم، هو من حق الله على عباده، وحق المسلمين على علمائهم، في رد كل مخالف ومخالفته، ومضل وضلالته، ومخطئ وخطئه، وزلة عالم وشذوذه، حتى لا تتداعى الأهواء على المسلمين تعثوا فسادًا في فطرهم، وتقصم وحدتهم، وتؤول بدينهم إلى دين مبدل، وشرع محرف، وركام من النحل والأهواء.
وهذا سير على أصل الاعتقاد، ووصل لحياة السلف الجهادية الدفاعية، واتصال بها، باللسانين: القلم واللسان، في تاريخهم الحافل الطويل.
وقد بلغ جهد المصلحين الجهادي في هذا مبلغًا عظيمًا فلابسوا الحياة علمًا وعملًا، ومحصوا الحقائق، وحصحص الحق على أيديهم، بمواقف لا تتخذ من دون الله ولا رسوله وليجة.
وهم في هذا الخط الدفاعي، بردم كل مخالفة للدين من داخل الصف أو خارجه، ينطلقون من الأصل العقدي المعلوم في سلم المسلمات من أصول الإسلام "مشروعية الرد على المخالف"، في كل خصومة ملدة لهذا الدين من أهل الملل الكافرة، والأهواء الضالة، والبدع الزائفة، لهتك أستارهم، وكسر شوكتهم، وكف بأسهم، وأهوائهم، وبدعهم، وضلالاتهم عن المسلمين ...
وما زال هذا الأصل العقدي جاريًا في حياة الأمة، يقوم به من شاء الله من علمائها، يؤدون به الواجب عن أنفسهم، وإخوانهم في الدين، فهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم.
"والمقصود أن هذه الأمة - ولله الحمد- لم يزل فيها من يتفطن لما في كلام أهل الباطل من الباطل ويرده، وهم لما هداهم الله به، يتوافقون في قبول الحق، ورد الباطل رأيًا ورواية من غير تشاعر، ولا تواطؤ" (^٢).
ومن استقرأ الوحيين الشريفين رأى في موقف الأنبياء مع أممهم، والمصلحين مع أهليهم، مواقف الحجاج والمجادلة، والرد على كل ضلالة ومخالفة، وهكذا ورثتهم من بعدهم على تطاول القرون.
_________
(^١) مدارج السالكين، لابن القيم: ١/ ٣٧٢، وانظر: زاد المعاد: ٣/ ٤٩٥، فقه غزوة الطائف.
(^٢) مجموع الفتاوى: ٩/ ٢٣٣.
1 / 10
وهذه المواقف أدلة عملية على المشروعية، بجانب الأدلة القولية فإلى بيانها وسيقاها:
١: في القرآن الكريم:
بين الله سبحانه في الآيات [٣٦ - ٣٩] من سورة النحل وظائف الرسل في دعوتهم، فيقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ إلى قوله سبحانه: ﴿(٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ﴾، ... فبيان الخلاف بإظهار الحق من الباطل مقصد عظيم من مقاصد بعثة الرسل، لتزول عن الأمة غشاوة الخلاف الطائش، والاختلاف الجائر.
ولهذا نجد مجموعة وافرة من الآيات في الجدل والمحاجة، وإقامة الحجة والبرهان، لإقامة الدين وظهوره وحراسته. قال الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: ١٢٥]، وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١١١)﴾ [البقرة: ١١١].
قال أبو إسحاق الجويني -رحمه الله تعالى- بعد سياق بعض النصوص، ومنها هاتان الآيتان: " وهذه الألفاظ عموم في التوحيد والشريعة، وهي أيضًا سيرة الرسل ﵈ مع أممهم، وسيرة رسولنا ﷺ وسيرة علماء الصحابة ﵃ بعده، ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم، إلى يومنا هذا، وعليه عادة العقلاء في أديانهم، ومعاملاتهم ومعاشراتهم" (^١).
٢: في السنة النبوية:
في نصوصها: قولًا، وفعلًا، وتقريرًا، في عامة أبواب التوحيد، والشريعة، ترى وقائع كثيرة، يرد بها النبي ﷺ ما ليس حقًا: وكان في فاتحتها ذاك الذي قال للنبي ﷺ يوم حنين: " اعدل"، فقال له ﷺ رادًا عليه مخالفته المنكرة: " فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" (^٢).
وتعتبر هذه أول شبهة وقعت في الملة الإسلامية.
_________
(^١) الكافية في الجدل، لإمام الحرمين الجويني: ٢٣.
(^٢) صحيح البخاري: كتاب فرض الخمس باب: ما كان النبي ﷺ يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس، رقم (٣١٥٠).
1 / 11
ورد ﷺ على عثمان بن مظعون رضى الله عنه التبتل (^١).
ورد ﷺ على من حرم بعض المطاعم، والمناكح (^٢).
وحاج ﷺ وفد نصارى نجران عندما سألوه ما تقول في عيسى ﵇: " ما عندي فيه شيء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى ﵇ فأصبح، وقد أنزل الله في عيسى ﵇: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١)﴾ [آل عمران: ٥٩ - ٦١] (^٣).
وفي استنباط فوائدها، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: " ومنها جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم، بل استحباب ذلك بل وجوبه، إذا ظهرت مصلحته من إسلام من يرجى إسلامه منهم، وإقامة الحجة عليهم، ولا يهرب من مجادلتهم إلا عاجز عن إقامة الحجة فليول ذلك إلى أهله، وليخل بين المطي وحاديها، والقوس وباريها" (^٤).
٣: وفي طبقة الصحابة ﵃ (^٥):
حملوا هذه الروح الجهادية الدفاعية، بما اقتضه الشريعة: قولًا وفعلًا، وتقريرًا في سيرة النبي ﷺ، فقاموا بواجب هذه الحمالة لهذا الأصل العقدي خير قيام، من رد البدع، والأهواء المضلة، والدفع في نحورها وأعجازها، لإبطالها ووأدها، من أول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج".
ثم ذكر الشيخ بكر ﵀: طبقة التابعين ومن بعدهم، ثم قال (^٦): " فالرد على أهل البدع والأهواء: باب شريف من أبواب الجهاد عظيم وكيف لا يكونون كذلك، وهم في مواقع الحراسة، وأفضل الجهاد.
_________
(^١) صحيح البخاري: كتاب النكاح، باب: ما يكره من التبتل والخصاء، رقم (٥٠٧٣).
(^٢) صحيح مسلم: كتاب النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، رقم (١٤٠١).
(^٣) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: ١/ ٣٧٥.
(^٤) زاد المعاد: ٣/ ٤٢.
(^٥) انظر: مجموع الفتاوى: ٣/ ١٨٢، ٢٣٠، ٢٧٩.
(^٦) الرد على المخالف من أصول الإسلام: ٤٠.
1 / 12
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ -رحمه الله تعالى: " فالراد على أهل البدع مجاهد، حتى كان يحيى بن يحيى، يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد" (^١).
وفي بيان قدر هذه المنزلة الجهادية بالقلم واللسان يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ -رحمه الله تعالى -: " وإذا كان النصح واجبًا في المصالح الدينية الخاصة والعامة، مثل، نقلة الحديث الذي يغلطون أو يكذبون، كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكًا، والثوري، والليث بن سعد -أظنه- والأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو يحفظ؟ فقالوا: بين أمره. وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: إنه يثقل علي أن أقول فلان كذا، وفلان كذا. فقال: إذا سكت أنت، وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟ !
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل" (^٢).
هذا مجمل تاريخي استدلالي على تثبيت هذا الأصل العقدي، ردع البدع، والمخالفات، والأهواء، ومقارعة أهلها، وكشفهم، ومعرفتهم بأعيانهم، وإبطال بدعهم خوفًا من عاديتهم على أهل السنة، ونصحًا لهم بل لله، ولرسوله ودينه وأئمة المسلمين، وعامتهم.
فاتضح من هذا عقلًا وشرعًا أن: " من حق الله على عباده رد الطاعنين على كتابه ورسوله، ودينه، ومجاهدتهم بالحجة والبيان، والسيف والسنان، والقلب والجنان، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان" (^٣).
فالرد على المخالف أصل من أصول الدين، بل هو مقتضى شهادة التوحيد التي قال الله تعالى عنها: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)﴾ [البقرة: ٢٥٦]، ولذا تضمنت الدعوة إلى الله غايتين، لا تصح الدعوة إلا بهما، وهما ركناها: الركن الأول: تقرير الدين والعقيدة والشريعة، وتعلمها والعمل بها ونشرها، الركن الثاني: حماية الدين والعقيدة والشريعة، والدفاع عنها، وبيان ما يخالفها، وكل ذلك من منهج القرآن الكريم، وعليه عمل النبي ﷺ وأصحابه ﵃ وأئمة السلف ﵏" (^٤).
_________
(^١) المرجع السابق: ٤/ ١٣.
(^٢) المرجع السابق: ١٢/ ٤٦٤.
(^٣) هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، لابن القيم: ٢٣٢. وانظر: الرد على المخالف من أصول الإسلام، للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد: ٧ - ٤٧، باختصار.
(^٤) مقدمات في الأهواء والافتراق والبدع، للشيخ ناصر العقل: ١/ ٧.
1 / 13
قال الشيخ عبد العزيز بن باز ﵀: " متى سكت أهل الحق عن بيان أخطاء المخطئين، وأغلاط الغالطين، لم يحصل منهم ما أمرهم الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعلوم ما يترتب على ذلك من إثم الساكت عن إنكار المنكر، وبقاء الغالط على غلطه، والمخالف للحق على خطئه، وذلك خلاف ما شرعه الله من النصيحة والتعاون على الخير" (^١).
والمعروف المشتهر أن أئمة الدعوة النجدية عرفوا بكثرة ردودهم على مخالفي الكتاب والسنة وهم من جدد الدعوة السلفية في هذه البلاد المباركة وعلى رأسهم الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، والشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، والشيخ سليمان بن سمحان، والشيخ محمد بن إبراهيم رحم الله الجميع (^٢). وهذا إنما كان لسيرهم على منهج السلف الصالح في هذه المسألة وغيرها من أصول الإسلام ومبانيه العظام.
ولا يزال هذا منهجهم إلى هذا العصر، فمنهم الشيخ عبدالعزيز بن باز في مجموع مقالات وفتاوى متنوعة، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ صالح الفوزان في كتاب البيان لأخطاء بعض الكتاب، والشيخ بكر أبو زيد في كتاب الردود، وغيرها كثير.
وكلام السلف ﵏ في بيان مشروعية وجوب الدفاع عن العقيدة أكثر من أن يحصى، وهو مبثوث في كتب العقائد، بل ولهم في ذلك مصنفات خاصة في نقض البدع بأصولها، بل وفي الرد على أهل البدع بأعيانهم، ﵏ ورضي عنهم.
_________
(^١) مجموع مقالات وفتاوى متنوعة، للشيخ عبدالعزيز بن باز: ٣/ ٦٨.
(^٢) انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية، ففيه من الردود الشيء الكثير، الجزء الحادي عشر والثاني عشر والذي عنوانهما: مختصرات الردود.
1 / 14
الفصل الثاني: أسباب دفاع السلف عن العقيدة
سبق في الفصل الماضي بيان مشروعية الدفاع عن العقيدة بل وجوبها، ومن أجل ذلك قام السلف ﵏ بما أوجبه الله عليهم، وقد كان الدافع لهم لذلك مع ما سبق أسباب كثيرة، نذكر بعضًا منها:
أولًا: حفظ الدين وبيان كمال هذه الشريعة:
قد تكفل الله ﷾ بحفظ الدين فقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)﴾ [الحجر: ٩]، كما أكمله ﷾ فقال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀: ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ أي في حال إنزاله وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله أودعه الله في قلب رسوله، واستودعه في قلوب أمته، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها، والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل.
فلا يحرف محرف معنى من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين" (^١).
وقد جعل الله ﷾ من أسباب حفظ الدين وبيان كماله ظهور المعارضين له من أهل الإفك المبين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ ﵀: " ومن أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين، وبيان حقيقة أنباء المرسلين، ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥)﴾ [الأنعام: ١١٢ - ١١٥].
_________
(^١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للشيخ عبدالرحمن السعدي: ٤٢٩.
1 / 15
وذلك أن الحق إذا جحد وعورض بالشبهات أقام الله -تعالى- له مما يحق به الحق ويبطل به الباطل من الآيات البينات بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة، وفساد ما عارضه من الحجج الداحضة.
فالدين الحق كلما نظر فيه الناظر، وناظر عنه المناظر، ظهرت له البراهين، وقوي به اليقين، وازداد به إيمان المؤمنين، وأشرق نوره في صدور العالمين.
والدين الباطل إذا جادل عنه المجادل، ورام أن يقوم عوده المائل، أقام الله ﵎ من يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، وتبين أن صاحبه الأحمق كاذب مائق" (^١).
ثانيًا: كشف شبهات المبطلين واستبانة سبيل المجرمين:
قال تعالى: ﴿(٥٤) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٥]، وذلك أن "من استبان له سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين على التفصيل علمًا وعملًا فهو أعلم الخلق" (^٢).
يقول الإمام الدارمي ﵀: "ولولا ما بدأكم هذا المعارض بإذاعة ضلالات المريسي وبثها فيكم ما اشتغلنا بذكر كلامه، مخافة أن يعلق بعض كلامه بقلوب بعض الجهال، فيلقيهم في شك من خالقهم.
فخشينا ألا يسعنا إلا الإنكار على من بثها -يعني الشبهات- ودعا الناس إليها منافحة عن الله وتثبيتًا لصفاته العلى ولأسمائه الحسنى ودعاء إلى الطريقة المثلى ومحاماة عن ضعفاء الناس وأهل الغفلة من النساء والصبيان أن يضلوا بها ويفتتنوا إذ بثها فيهم" (^٣).
ويُروى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: " إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام ممن لا يعرف الجاهلية" (^٤).
_________
(^١) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لشيخ الإسلام ابن تيمية: ١/ ٦٠ - ٦٤.
(^٢) الفوائد لابن القيم: ٢٥٩.
(^٣) نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله ﷿ في التوحيد، للإمام الدارمي: ١/ ١٤٢ - ١٤٥.
(^٤) المستدرك على الصحيحين، لأبي عبدالله الحاكم: ٤/ ٤٢٨ بنحوه وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
1 / 16
قال الإمام ابن القيم - بعد أن ذكر كلام أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه: " .. وهذا من كمال عمر رضى الله عنه، فإنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها، وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول ﷺ فإنه من الجاهلية، فإنها منسوبة إلى الجهل، وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل، فمن لم يعرف سبيل المجرمين ولم تستبن له أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين، كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة في باب الاعتقاد والعلم والعمل، هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين، ودعا إليها، وكفر من خالفها، واستحل منه ما حرمه الله ورسوله، كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض وأشباههم، ممن ابتدع بدعة ودعا إليها وكفر من خالفها" (^١).
وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀ في مقدمة شرحه للقصيدة التائية في حل المشكلة القدرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ أن في الرد على المخالف كشفًا لشبهاته وشكوكه، فقال: " وهذا النظم قد أتى فيه الشيخ بالعجب العجاب، وبين الحق الصريح، وكشف الشكوك والشبهات، التي طالما خالطت قلوب أذكياء العلماء، وحيرت كثير من أهل العلم الفضلاء" (^٢).
ثالثًا: خطورة انتشار العقائد الباطلة على المجتمع المسلم:
فإن انتشار العقائد الباطلة يؤدي إلى التفرق والاختلاف، وتترب عليه الآثار السيئة على الأمة في جميع أمورها العقدية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها؛ ولذلك حرص السلف ﵏ على رد تلك العقائد الباطلة لجمع كلمة المسلمين وردهم لما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه.
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز ﵀ في مقال له بعنوان: "كيف نحارب الغزو الثقافي الغربي والشرقي"، قال: " إن أخطر ما تواجهه المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر هو ما يسمى بالغزو الثقافي بأسلحته المتنوعة، من كتب وإذاعات وصحف ومجلات وغير ذلك من الأسلحة الأخرى" (^٣).
ومن تلك الآثار التي تترتب على انتشار العقائد الباطلة هو الاختلاف والفرقة المذمومة، فالبدعة طريق سالك إلى الفرقة والاختلاف المذمومين، وقد ثبت ذم هذا الاختلاف في نصوص كثيرة منها قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٥)﴾ [آل عمران: ١٠٥]، قال السيوطي ﵀: " أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين الله" (^٤).
_________
(^١) الفوائد: ٢٥٧ - ٢٥٨.
(^٢) الدرة البهية شرح العقيدة التائية في حل المشكلة القدرية، للشيخ عبد الرحمن السعدي: ١١.
(^٣) مجلة البحوث الإسلامية، العدد ١٧ ص ٧، والعدد ٤٠ ص ١٣٩.
(^٤) الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي: ٢/ ٦٢.
1 / 17
ومنها قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٥٩]، قال الحافظ ابن كثير ﵀: " وكانوا شيعًا: أي فرقًا كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات فإن الله تعالى قد برأ رسول الله ﷺ مما هم فيه" (^١).
ومن أخطر آثارها أنه إذا تأصلت مثل هذه المحدثات واتخذها بعض المنتسبين إلى الإسلام معقدًا للولاء والبراء فضلوا بذلك عن جادة الحق، حدث الشرخ بين هذه الجماعة وبين جماعة الإسلام الأصيلة المتمسكة بسنة النبي ﷺ.
ومن الآثار كذلك موت السنة وضياعها: فأنه لا تظهر بدعة إلا بموت سنة، ولا تظهر سنة إلا بذبول بدعة تعارضها، فعن عكرمة عن ابن عباس ﵄ قال: " ما يأتي على الناس عام إلا احدثوا فيه بدعة وأماتوا سنة حتى تحيا البدع وتموت السنن" (^٢).
ومن الآثار كذلك: التفرق والتشرذم والخروج عن الجماعة: قال الله تعالى: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ [الأنعام: ٦٥]، قال مجاهد: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ "الأهواء المفترقة" (^٣).
ومن الآثار كذلك: استحلال السيف في رقاب المسلمين واستباحة الأعراض والأموال المحرمة: فعن ابن عمر ﵄ أنه سمع النبي ﷺ يقول: " لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" (^٤)، فلا يستغرب لمن انتحل البدعة وخالف السنة أن تكون أولى ثمار بدعته هذه استحلال السيف في رقاب أمة محمد ﷺ كما حدث من الخوارج.
قال أيوب السختياني ﵀ وكان يسمى أصحاب البدع خوارج، ويقول: " إن الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف" (^٥).
إلى غير ذلك من الآثار التي تبين خطورة انتشار العقائد الباطلة على المجتمع المسلم.
_________
(^١) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: ٢/ ٢٠٤.
(^٢) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم، لأبي القاسم هبة الله الحسن اللالكائي: ١/ ٩٢.
(^٣) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لابن جرير الطبري: ٧/ ٢٥٦.
(^٤) صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب: قول النبي ﷺ "لا ترجعوا بعدي كفارا"، رقم (٧٠٧٧).
(^٥) الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي: ١/ ٦٥.
1 / 18
رابعًا: جواب السؤال والحاجة إلى البيان:
قد يكون الدافع عند السلف لكتابة الرد هو جواب لسؤال ورد عليهم عن شبهة أو بدعة أو نحو ذلك، سواء كان السؤال سؤال استفهام أو سؤال معاند أو غير ذلك.
قال شيخ الإسلام ﵀: " وكان من أسباب نصر الدين وظهوره، أن كتابًا ورد من قبرص فيه الاحتجاج لدين النصارى، بما يحتج به علماء دينهم وفضلاء ملتهم قديمًا وحديثًا، من الحجج السمعية، والعقلية، فاقتضى ذلك أن نذكر من الجواب ما يحصل به فصل الخطاب، وبيان الخطأ من الصواب، لينتفع بذلك أولو الألباب، ويظهر ما بعث الله به رسله من الميزان والكتاب" (^١).
ومن ذلك جواب شيخ الإسلام ﵀ بقصيدته التائية في حل المشكلة القدرية جوابًا لسؤال ورد عليه من نصراني معاند قال في مطلعها:
سؤالك يا هذا سؤال معاند مخاصم رب العرش باري البرية (^٢)
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀ عن هذه القصيدة: والشيخ - قدس الله روحه- نظمها جوابا لسؤال أورده عليه من قال: " إنه ذمي" ليشبه على المسلمين، وليشككهم في أصول الدين" (^٣).
خامسًا: ظهور أو انتشار بدعة أو مخالفة معينة بين المسلمين:
ومن أسباب دفاع السلف عن العقيدة هو ظهور بدعة أو انتشارها بين المسلمين، وهذا الظهور أو الانتشار سواء كان عن طريق داعية يدعو لبدعته، أو خروج كتاب أو غير ذلك.
فإن السلف ﵏ لا يزالون يردون على كل بدعة وضلالة تظهر وتنتشر بين المسلمين إلى وقتنا الحاضر.
ومن ذلك الشيخ نعمان بن محمود الألوسي البغدادي: ألف كتابًا سماه "الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح". وقد ذكر في سبب تأليفه له: أنه رأى في السنة ١٣٠٤ هـ أوراقًا مطبوعة في لندن سنة ١٨٨٠ م تتضمن -زورًا وبهتانا- على تقديم دين النصارى على سائر الأديان، وطعنًا لدين الإسلام فألف هذا الكتاب ردًا على ذلك (^٤).
ومن ذلك ما يصدر من بيانات وردود من هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، وردود فضيلة الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- والتي جمعت في خمس مجلدات بعنوان البيان لأخطاء بعض الكتاب، والتي يتعقب فيها -حفظه الله- بعض البدع والمخالفات التي تنشر في وسائل الإعلام.
_________
(^١) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: ١/ ٦٨.
(^٢) الدرة البهية: ١٥.
(^٣) المرجع السابق: ١١ - ١٢.
(^٤) الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح، لنعمان الألوسي: ٣٤.
1 / 19