و) الشاهد السادس: تبليغ الإسلام مع وجود الأذى:
قال ابن إسحاق: اجتمع يومًا أصحاب رسول الله ﷺ فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط فمن رجل يُسمِعهم؟ فقال عبدالله بن مسعود: أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلًا له عشيرة تمنعه من القوم إن آذوه، فقال: دعوني فإن الله ﷿ سيمنعني، فغدا عبدالله حتى أتى المقام في الصحن وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام فقال رافعًا صوته: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ (^١)، فاستقبلها فقرأها فتأملوا فجعلوا يقولون: ما يقول ابن أم عبد؟ ثم قالوا: إنه يتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا فجعلوا يضربون في وجهه وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه، فقالوا: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدًا، قالوا: حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون (^٢).
فالصبر على الأذى ومخالطة الناس ودعوتهم استمدها الصحابة ﵃ من سنة الرسول ﷺ، والصبر على الدعوة من سمات دعوة الصحابة، والتي آتت ثمارها أيضًا في قصة الطفيل بن عمرو الدوسي عندما ذهب إلى قومه يدعوهم وأبطؤوا عليه جاء إلى رسول الله ﷺ يشكوهم فقال له رسول الله: