150

Dhikrayāt - ʿAlī al-Ṭanṭāwī

ذكريات - علي الطنطاوي

Publisher

دار المنارة للنشر والتوزيع

Edition Number

الخامسة

Publication Year

١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م

Publisher Location

جدة - المملكة العربية السعودية

Genres

إن كان في مكتبتنا، أو إلى شرائه إن لم يكُن عندنا. ولقد سمّى لنا كتاب «الروض الأُنُف للسُّهَيلي» فشريته عند خروجي من المدرسة، وما بتّ حتى تصفحته وقرأت صفحات كثيرة منه.
أما حفظه فقد صدّقت منه ما يُروى عن حماد الراوية وابن الأنباري والمعرّي. والشيخ من أصحاب النوادر، وأستطيع أن أسوق من نوادره وغرائبه ما يملأ صحفًا كثيرة.
وقد كنا نقلّد لهجته ونحكي صوته، حتى صارت هي لهجتي في التدريس وأنا لا أدري. لمّا كنت أدرّس في بغداد أقيمت حفلة سمر في آخر سنة ١٩٣٦، فسأل الطلاب مدرّسيهم على عادة اعتادوها: هل يأذنون لهم أن يقلّدوهم؟ فكان منهم من أذن ومنهم من أبى، وكنت فيمن أذن، فقام طالب يقلّدني بزعمه ولكنه قلّد شيخنا المبارك. فقلت: ويحك، هذا شيخنا المبارك! وإذا بالطلاب يصيحون من الأركان الأربعة: بل هذا أنت، هذا أنت. وإذا أنا لطول ما حاكيت الشيخ قد صرت مثله، أعني مثله في لهجته ونغمته لا في علمه ولغته. أين أنا من علم الشيخ؟
واتصل حبلي بحبله إلى أن توفّاه الله، أزوره في داره ويتفضّل فيشرّفني بزيارتي في داري.
وكان عليّ يوم تُوُفّي سنة ١٩٤٥ أن أُلقي كلمة التأبين، في مقبرة الباب الصغير التي دُفن فيها معاوية وجلّة من الصحابة، فرأيت في المقبرة أستاذنا محمد كرد علي متأثرًا حزينًا، وما أعرفه إلاّ مرحًا مزّاحًا، ثم عرفت أنه كان سَنينَ (١) المبارك وأنه كان رفيقه

(١) سَنين الرجل: لِدَته، أي مَن كان في مثل سنه.

1 / 159