90

Mazīd Fatḥ al-Bārī bi-sharḥ al-Bukhārī - makhṭūṭ

مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

Publisher

عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري

Publisher Location

https

Genres

بهم، وقالَ: لولا الضعيفُ والسقيمُ لأحببْتُ أنْ أؤخِّرَ هذهِ الصَّلاة إلى شطرِ اللَّيلِ).
وروى التِّرْمِذي من حديث أبي هريرة: (لولا أنْ أشقَّ على أمَّتي لأمرْتُهم أنْ يؤخِّرُوا العشاءَ إلى ثلثِ اللَّيلِ أو نصفِه). وروى أبو داود من حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه يقول: (بَقَينا رسولَ اللهِ ﷺ في صلاةِ العتمةِ فتأخَّرَ حتَّى ظنَّ ظانٌّ إنَّه ليسَ بخارجٍ، والقائلُ منَّا يقولُ: صلَّى وأنا كذلك حتَّى خرجَ النَّبِيّ ﷺ فقالُوا له كما قالُوا، فقال: أعتمُوا بهذِه الصَّلاة فإنَّكم قد فُضِّلْتُمْ بها على سائرِ الأممِ، ولم تُصَلِّها أمَّة قبلَكم).
قوله في رواية أبي داود: (بَقَينا) -بفتح القاف- أي انتظرناه، يقال: بقيت الرجل أبقيته إذا انتظرته، وأخرج أبو داود أيضًا عن عبد الله بن عُمَر: «مَكَثْنَا ذَاتَ ليلةٍ ننتظرُ رسولَ اللهِ ﷺ لصلاةِ العشاء: فخرجَ إلينا حينَ ذهبَ ثُلُثُ اللَّيلِ أو بعده، فلا ندري أشيء شغله أم غير ذلك؟ فقالَ حينَ خرجَ: أتنتظرون هذِه الصَّلاة؟ لولا أن تثقل على أمَّتي لصلَّيت بهم هذه الساعة، ثمَّ أمر المؤذِّن فأقام الصَّلاة». وأخرجه مسلم والنَّسائي أيضًا.
قوله: (نُزُوْلًا) جمع: نازل، كشهود جمع شاهد.
قوله: (فِي بَقِيْعِ بُطْحَانَ) البقيع -بفتح الباء الموحَّدة وكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة- وهو من الأرض: المكان المُتَّسِع، ولا يسمَّى بقيعًا إلَّا وفيه شجر أو أصولها، و(بُطْحَانَ) -بضمِّ الباء الموحَّدة وسكون الطَّاء المهملة وبالحاء المهملة، غير منصرف-: وادٍ بالمدينة، وقال ابن قرقول: (بُطْحَانَ) بضمِّ الباء، يرويه المحدِّثون أجمعون، وحكى أهل اللغة فيه بُطحان، بفتح الباء وكسر الطاء، وكذلك قيَّده أبو المعالي في (تاريخه) وأبو حاتم، وقال البَكْري: بفتح أوَّله وكسر ثانيه، على وزن: فعلان، لا يجوز غيره.
قوله: (نَفَرٌ) مرفوع لأنَّه فاعل: يتناوب، والنَّفَر عدَّة رجال من ثلاثة إلى عشرة.
قوله: (فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ ﵇ بلفظ المتكلِّم.
قوله: (وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ) جملة حاليَّة، وجاء تفسير: بعض الشُّغل، في «معجم الطَّبَرَاني» من وجه صحيح عن الأَعْمَش عن أبي سُفْيان عن جابر: (كانَ في تجهيزِ جيش)، قال شيخنا: ففيه دلالة على أنَّ تأخير النَّبِيِّ ﷺ إلى هذه الغاية لم يكن قصدًا ومثله قوله في حديث ابن عُمَر الآتي قريبًا «شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً» وكذا قوله في حديث عائشة ﵂ «فَاعْتَمَ بِالصَّلَاةِ لَيْلَةً» يدلُّ على أنَّ ذلك لم يكن من شأنه. والفيصل في هذا حديث جابر: «كَانُوا إِذَا اجْتَمَعُوا عَجَّلَ وَإِذَا أَبْطَؤُوا أَخَّرَ». انتهى.
قوله: (فَأَعْتَمَ بِالصَّلَاةَ) أي: أخَّرها عن أوَّل وقتها.
قوله: (حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ) -بالموحَّدة وتشديد الرَّاء على وزن: إفعال إحمار- أي طلعت نجومه واشتبكت، والباهر الممتلئ نورًا، قاله أبو سعيد الضَّرير.
وعن سيبويه: ابهارَّ اللَّيل كثرة ظلمته، وابهارَّ القمر، كثر ضوؤه، ذكره في «الموعب» وفي «المحكم»: إبهار اللَّيل إذا تراكمت ظلمته، وقيل: إذا ذهبت عامَّته، وفي «الصِّحاح»: إبهار اللَّيل ابهيرارًا: إذا ذهب معظمه وأكثره، وإبهارَّ علينا اللَّيل أي: طال.
وعند مسلم من رواية أمِّ كلثوم عن عائشة: «حتى ذهب عامَّة اللَّيل» قال الأَصْمَعي: ابهارَّ انتصف، مأخوذ من بهور الشيء وهو وسطه ويؤيِّده أنَّ في بعض الروايات حتَّى إن كان قريبًا
من اللَّيل، وهو في حديث أبي سعيد كما سيأتي، وسيأتي في حديث أَنَس عند المٌصَنِّف «إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ».
وفي «الكتاب الواعي»: إبهيرار اللَّيل طلوع نجومه.
وقال الدَّاُودي: انهار اللَّيل، يعني بالنُّون، موضع الباء، تقول: كسر منه وانهزم، ومنه قوله تعالى: ﴿فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ١٠٩] قال العَيني: وفيه نظر، ولم يقله أحد غيره.
قوله: (عَلَى رِسْلِكُمْ) -بكسر الرَّاء وفتحها- قال العَيني: أي: على هيئتكم، -والكسر أفصح- وقال شيخنا: والمعنى تأنُّوا.
قوله: (أَبْشِرُوا) من: أبشر إبشارًا، يقال: بشَّرت الرجل وأبشرته وبشَّرته بالتشديد، ثلاث لغات بمعنى، ويقال: بشَّرته بمولود فأبشر إبشارًا أي: سُرَّ.
قوله: (إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ) كلمة: (مِنْ) للتبعيض، وهو اسم: إنَّ، قال شيخنا: إنَّ بالكسر، ووهم من ضبطها بالفتح.
وأما قوله: (أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ) فهو بفتح إنَّه للتعليل، قال العَيني: ليس كذلك على ما لا يخفى، أي ليس للتعليل. انتهى.
قوله: (فَفَرِحْنَا) بلفظ المتكلِّم، عطف على قوله: (فَرَجَعْنَا)، هذا في رواية الكُشْمِيهَني، وفي رواية غيره: <فَرَجَعْنَا فَرْحَى> على وزن: فعلى، قال شيخنا كذا عند مسلم. انتهى.
قال الكِرْماني: إما جمع الفريح على غير قياس، وإما مؤنَّث الأفرح، وهو نحو: الرجال فعلت. قال العَيني: بل هو جمع: فرحان، كعطشان يجمع على: عطشى، وسكران على سكرى، ويروى (فَرَجَعْنَا فَرَحًا) بفتح الرَّاء بمعنى الفرحين، وهو نحو: الرجال فعلوا، وعلى الوجهين أعني: فرحى وفرحًا، نصب على الحال من الضَّمير الذي في (رَجَعْنَا) فإن قلت: المطابقة بين الحال وذي الحال شرط في الواحد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، وفي رواية: (فَرَحًا) غير موجود. قلت: الفرح مصدر في الأصل ويستوي فيه هذه الأشياء.
قوله: (بِمَا سَمِعْنَا) الباء: تتعلَّق (بِفَرِحْنَا)، وكلمة: (مَا) موصولة، والعائد محذوف تقديره: بما سمعناه. فإن قلت: ما سبب فرحهم؟ أجيب: علمهم باختصاصهم بهذه العبادة الَّتي هي نعمة عظمى مستلزمة للمثوبة الحسنى، قاله الكِرْماني، وقال شيخنا: مع ما انضاف إلى ذلك من تجميعهم فيها خلف رسول الله ﷺ، وقال العَيني: مع كونه مشغولًا بأمر الجيش خرج إليهم وصلَّى بهم، فحصل لهم الفرح بذلك، وازدادوا فرحًا ببشارته بتلك النعمة العظيمة. انتهى.
فيه جواز الحديث بعد صلاة العشاء، قلت: مذهبنا كراهة النَّوم قبل العشاء والحديث بعدها كما يأتي. انتهى. وفيه إباحة تأخير العشاء إذا علم أنَّ بالقوم قوَّة على انتظارها ليحصل لهم فضل الانتظار، ولأنَّ المنتظر للصلاة في الصلاة. وقال ابن بطَّال: وهذا لا يصلح اليوم لأئمَّتنا، لأنَّه ﵇ لما أمر الأئمَّة بالتخفيف وقال: «إنَّ فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة» كان ترك التطويل عليهم في انتظارها أولى، وقال مالك: تعجيلها أفضل للتخفيف، قلت: والتعجيل عند الشَّافعي أفضل أيضًا. انتهى.
وقال ابن قُدامة - أي من الحنابلة - يستحبُّ تأخيرها للمنفرد، ولجماعة يرضون بذلك، وإنما نقل التأخير عنه ﵇ مرَّة أو مرَّتين لشغل حصل له. وقال

1 / 90