Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript
مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط
Publisher
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Publisher Location
https
Genres
الَّتي فرضت ليلة الإسراء، فلا يمكن أن تكون صلاته بعد صلاة النَّبِيِّ ﷺ، وإلا لانتفى أن يكون لصلاة جبريل فائدة، ويمكن أن تكون الفاء هنا سببيَّة كما في قوله تعالى: ﴿فَوَكَزَهُ مُوْسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥]. انتهى.
قال شيخنا: وفي رواية اللَّيث عند المُصَنِّف وغيره: «نَزَلَ جِبريلُ فَأَمَّني فَصَلَّيتُ مَعَهُ»، وفي رواية عبد الرزَّاق عن معمر: «نَزَلَ فَصَلَّى، فصَلَّى رَسُوْلُ اللهِ ﷺ فصلَّى النَّاس مَعَهُ»، وهذا يؤيِّد رواية نافع بن جُبَير المتقدِّمة، وإنَّما دعاهم إلى الصَّلاة بقوله: «الصَّلاةُ جامِعَةٌ» لأنَّ الأذان لم يكن شرع حينئذ. انتهى.
قال القُرْطُبي: قول عروة: (أَنْ جِبْرِيْلَ نَزَلَ) ليس فيه حجَّة واضحة على عُمَر بن عبد العزير؛ إذ لم يعين له الأوقات، قال: وغاية ما يتوَّهم عليه أنَّه ينبِّهه، وذكره بما كان يعرفه من تفاصيل الأوقات، قال: وفيه بعد؛ لإنكار عُمَر على عُرْوَة حيث قال له: اعلم ما تحدِّثُ [به] (^١) يا عُرْوَة، قال: وظاهر هذا الإنكار إنَّه لم يكن عنده علم من إمامة جبريل، قال شيخنا: لا يلزم من كونه لم يكن عنده علم منها أن لا يكون عنده علم بتفاصيل الأوقات المذكورة من جهة العمل المستمرِّ، لكن لم يعرف أنَّ أصله بتبيين جبريل ﵇ بالفعل، فلهذا استثبت فيه، وكأنَّه كان يرى أن لا مفاضلة بين أجزاء الوقت الواحد، وكذا يحمل عمل المغيرة وغيره من الصحابة، ولم أقف على شيء من الرِّوايات على جواب المغيرة لأبي مسعود، والظَّاهر إنَّه رجع إليه.
قوله: (بِهَذَا) أي بأداء الصَّلاة في هذه الأوقات.
قوله: (أُمِرْتُ) رُوِيَ بضمِّ التَّاء وفتحها، وعلى الوجهين هو على صيغة المجهول، قال ابن العربي: نزل جبريل ﵇ إلى النَّبِيِّ ﷺ مأمورًا مكلَّفًا بتعليم النَّبِيِّ ﷺ لا بأصل الصَّلاة، وأقوى الروايتين فتح التَّاء، يعني: أنَّ الذي أُمرت به من الصَّلاة البارحة مجملًا هذا تفسيره اليوم مفصَّلًا، قال العَيني: فعلى هذا الوجه يكون الخطاب من جبريل للنَّبيِّ ﷺ، وأمَّا وجه الضمِّ فهو أنَّ جبريل ﵇ يُخبر عن نفسه إنَّه أُمِرَ به هكذا، فعلى الوجهين الضَّمير المرفوع في قوله: (ثَمَّ قَالَ) يرجع إلى جبريل ﵇، ومن قال في وجه الضمِّ: إنَّ النَّبِيَّ أخبر عن نفسه إنَّه أُمِرَ به هكذا، وأن الضَّمير في (قَالَ) يرجع إلى النَّبِيِّ ﷺ فقد أبعد وإن كان التركيب يقتضي هذا أيضًا. انتهى.
قوله: (اعْلَمْ مَا تَحَدَّثُ بِهِ) بصيغة الأمر، تنبيه من عُمَر بن عبد العزيز لعُرْوَة على إنكاره إيَّاه، وقال القُرْطُبي: ظاهره الإنكار؛ لأنَّه لم يكن عنده خبر من إمامة جبريل ﵇، إمَّا لأنَّه لم يبلغه، أو بلغه فنسيه، والأولى عندي: أنَّ حجَّة عُرْوَة عليه إنَّما هي فيما رواه عن عائشة، وذكر له حديث جبريل موطِّئًا له ومُعلمًا بأنَّ الأوقات إنَّما ثبت أصلها بإيقاف جبريل ﵇ للنَّبيِّ ﷺ عليها.
قوله: (أَوَأَنَّ جِبْرِيْلَ) قال السَّفَاقُسي: الهمزة حرف الاستفهام دخلت على الواو فكان ذلك تقريرًا، وقال
(^١) به: ليست في الأصل.
النَّوَوي: الواو مفتوحة، وأنَّ ههنا تُفتح وتُكسر، وقال صاحب «الاستقضاب» (^١): كسر الهمزة أظهر؛ لأنَّه استفهام مستأنف إلَّا إنَّه ورد بالواو والفتح على تقدير: أو علمت أو حدَّثت أنَّ جبريل نزل؟ قال العَيني: لم يذكر أحد منهم أنَّ الواو أي واو هي، وهي واو العطف على ما ذكره بعضهم، ولكنَّه قال: والعطف على شيء مُقَدَّر، ولم يبيِّن ما هو المُقَدَّر. انتهى.
قلت: أراد العَيني بقوله: (بَعْضُهم) شيخَنا، فإنَّه قال: (أَوَ أَنَّ) بفتح الهمزة، وهي للاستفهام، والواو وهي العاطفة، والعطف على شيء مُقَدَّر. انتهى.
قلت: يجوز أن يكون التقدير بعد قوله: اعلم ما تحدِّث إذ حدَّثت، أي أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كان مأمومًا، أو علمت أو حدَّثت أنَّ جبريل هو أقام. انتهى.
قوله: (وُقُوْتَ) كذا للمستملي بصيغة الجمع، وللباقين: «وَقْتَ الصَّلَاةِ» بالإفراد وهو للجنس.
٥٢٢ - قوله: (قَالَ عُرْوَةُ) قال الكِرْماني: هذا إما مقول ابن شهاب، أو تعليق من البخاري.
قال شيخنا: الاحتمال الثَّاني على بعده مغاير للواقع كما سيظهر في باب وقت العصر قريبًا؛ فقد ذكره مسندًا عن ابن شهاب عن عُرْوَة عن عائشة، فهو مقوله: وليس بتعليق، وسنذكر الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى. انتهى.
قوله: (كَذَلِكَ كانَ بَشِيْر) تقدَّم الكلام على هذا في الكلام على الإسناد.
قوله: (فِي حُجْرَتِها) قال ابن سِيدًه: الحجرة من البيوت معروفة، وقد سمِّيت بذلك لمنعها الداخل من الوصول إليها، يقال: استحجر القوم واحتجروا اتخذوا حجرةً، وفي «المنتهى» و«الصحاح»: الحجرة: حظيرة الإبل، ومنه حجرة الدَّار، تقول: احتجرت حجرة، أي اتَّخذتها، والجمع حُجَر مثل غرفة وغُرَف، وحُجُرات بضمِّ الجيم.
قوله: (أَنْ تَظْهَرَ) ذكر في «الموعب»: يقال: ظهر فلان السَّطح إذا علاه. وعن الزَّجَّاجِ في قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ [الكهف: ٩٧] أي ما قدروا أن يعلوا عليه لارتفاعه وانملاسه. وفي «المنتهى»: ظهرتُ البيتَ علوتُه، وأظهرتُ بفلان أعليتُ به، وفي «كتاب ابن التين» وغيره: ظهر الرجل فوق السطح إذا علا فوقه. قيل: وإنَّما قيل له ذلك؛ لأنَّه إذا علا فوقه فقد ظهر شخصُه لمن تأمّله، وقيل: معناه: أن يخرج الظلُّ من قاعة حجرتها فيذهب، وكل شيء خرج فقد ظهر. قال العَيني: والتفسير الأوَّل أقرب وأليق بظاهر الحديث؛ لأنَّ الضَّمير في قوله: (تَظْهَرَ) إنَّما هو راجع إلى الشمس، ولم يتقدَّم للظلِّ ذكرٌ في الحديث. وسنستوفي الكلام في حديث عائشة عن قريب في باب وقت العصر إن شاء الله تعالى.
فيه دليل على أنَّ وقت الصَّلاة من فرائضها، وأنَّها لا تجزئ قبل وقتها، وهذا لا خلافَ فيه بين العلماء إلَّا شيءٌ روي عن أبي موسى الأشعري وعن بعض التَّابعين أجمع العلماء على خلافه، قال العَيني: ولا وجه لذكره ههنا؛ لأنَّه لا يصحُّ عنهم، وصحَّ عن أبي موسى خلافه مما وافق الجماعة فصار اتفاقًا صحيحًا.
وفيه المبادرة بالصلاة في أوَّل وقتها، وهذا هو الأصل وإن روي الإبراد بالظهر والإسفار بالفجر بالأحاديث الصحيحة، وفيه دخول العلماء على الأمراء وإنكارهم عليهم ما يخالف السنَّة، وفيه جواز مراجعة العالم لطلب البيان، والرجوع عند التنازع إلى السنَّة.
وفيه أنَّ الحجَّة في الحديث المسند دون المنقطع، ولذلك لم يقنع عُمَر به، فلما أسند إلى بشير بن أبي مسعود قنع به.
وفيه ما استدلَّ به قوم منهم ابن العربي على جواز صلاة المفترض
(^١) كذا في الأصل، ولعلَّ الصواب: الاقتضاب، كذا في عمدة القاري: ٥/ ٥، وهو: الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، لعبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي (٥٢١ هـ)، ويحتمل أن يكون: الاستيعاب لابن عبد البرِّ، والأول أرجح.
1 / 35