ملأ لي الكأس العاشر أو العشرين، اهتزت يدي قليلا وأنا أمسك الكأس، لكن الإله داخل رأسي جالس ثابت لا يتحرك كأبي الهول، وعيناي لا تزالان في عينيه لا تتحولان عنهما، بالرغم من أنني أدركت - من حيث لا أعلم - تماما أنه لم يعد مرتديا الثوب الحريري، ويبدو أيضا أنه لم يعد مرتديا السروال الضيق المخطط.
لاحظت أن جسده أبيض مشرب بحمرة، يوحي بقوة ونضارة، ونظافة يومية، وحسن تغذية، ولا بد أن عيني كانتا لا تزالان شاخصتين إلى عينيه؛ لأنني أدركت بعد لحظة أنه أمسك رأسي بيده وحركه بحيث تسقط عيني فوق جسده.
وتأملته مرة أخرى بعينين سليمتي النظر 6/ 6، ورأيت مرة أخرى القوة والنضارة والنظافة والتغذية الحسنة، وكدت أعبر له عن رأيي فيما أراه من حيث النضارة والقوة والنظافة والتغذية الحسنة.
لكن عيني ارتفعتا والتقتا بعينيه، ولم أعرف هل كان ينظر إلي بدهشة، أم أن الدهشة كانت في عيني أنا، وقلت لنفسي: لا بد أنه موقف يدعو إلى الدهشة؛ فالساعة جاوزت الثالثة صباحا، وزجاجة الخمر فرغت، والبيت ليس فيه أحد، والعالم من الخارج صامت مظلم ميت ساقط ليس في العدم، فما الذي يحول بين جسدي وجسده؟!
حينما حركت رأسي ناحيته رأيته جالسا مرتديا الثوب وحزام الثواب مربوط بعناية حول خصره، يخفي صدره وفخذيه، ولم أعد أرى منه إلا رأسه وعنقه وقدميه داخل خف منزلي خفيف. وجهه من الجانب مرهق، كأنما أرهق أو شاخ فجأة، وتهدلت بعض الشيء ملامحه كطفل يريد أن ينام بعد أن أعياه السهر. امتدت يدي كيد الأم تربت على وجه الطفل (طفلها)، وقبلة أمومية حانية فوق جبهته.
خرجت إلى الشارع، أرفع وجهي الساخن لنسمة الفجر الباردة الرطبة، إحساس خفي بالزهو يمتزج بإحساس غريب بالحزن. وضعت رأسي على وسادتي، عيناي مفتوحتان مبللتان بدموع، عقلي ينتصر على الخمر، حتى أسلم رأسي للوسادة فتغلب الخمر وينتصر الحزن على الزهو.
حينما فتحت عيني في اليوم التالي كانت الخمر قد تبددت، وانقشعت عن عيني الغشاوة، نظرت في المرآة إلى عيني اللامعتين المغسولتين بالدموع. كدت أترك المرآة ككل مرة وأدوس على القناع الساقط تحت قدمي، وأمشي فوقه بقوة جديدة، لكني لم أتحرك من مكاني. انثنى جسدي والتقطت القناع من فوق الأرض، ووضعته مرة أخرى على وجهي.
اعتراف رجولي
املئي لي كأسا أخرى من الخمر مع كثير من الثلج، ودعيني أتكلم ولا تقاطعيني. يمكنك من حين إلى حين أن تمري بيدك فوق رأسي أو عنقي أو صدري أو ما تشائين من جسدي، بشرط ألا تعطليني عن الكلام؛ فأنا الليلة جئت إليك لأعترف لك بكل ما لا يمكن أن أعترف به لأحد، ولو كان هو مندوب الله على الأرض.
أنا في الحقيقة لا أومن بهؤلاء المندوبين، وأشعر بكراهية لأي وسيط بيني وبين الله، ليس معنى ذلك أنني متكبر أو متغطرس أو أتعامل مع الناس بعنجهية، العكس هو الصحيح؛ فأنا متواضع رحيم، أشفق على كل الناس، وأشفق على نفسي كواحد من هؤلاء الناس.
Unknown page