Mawsucat Misr Qadima

Salim Hasan d. 1381 AH
98

Mawsucat Misr Qadima

موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي

Genres

ومما سبق يتضح أن تولية العرش في مصر لم تكن من الأمور الهينة، وبخاصة إذا علمنا أن «خوفو» تزوج من عدة نساء، وأن المنافسات قد قامت بعده بين أولاد زوجاته المتعددات على تولي عرش الملك، والظاهر أن «ددف رع» لم يكن حقه في الملك قويا كأخيه «كاوعب»؛ إذ يظن أن «ددف رع» كان ابن ملكة لوبية الأصل وليست من الدم الملكي، وقد تزوج من أخته «حتب حرس الثانية» ابنة الملكة «حتب حرس الأولى» وهي المعروفة بالشقراء، ولذلك نجد أن ملامح «ددف-رع» تختلف عن ملامح ملوك هذه الأسرة، والظاهر أن فرع أسرته الأصلي كان في عداء ظاهر له، إن لم يكن في مشاحنات ضد تسلطه على العرش، على أنه لما توفي وخلفه أخوه «خفرع» لم تسكت على ذلك أسرة «ددف-رع» إذ قام ابنه «باكارا» يناهض «خفرع» مدة أعوام بدون جدوى. (3) خفرع

عندما تولى خفرع عرش مصر لم تكن يده مطلقة التصرف بسبب المنازعات الداخلية التي قامت بينه وبين أولاد «ددف-رع» غير أن ذلك لم يثن عزمه عن إقامة هرم يضارع هرم «خوفو» في عظمته وفخامته وإن كان أقل منه حجما بقليل، والناظر إلى الهرم الثاني الآن يجد أنه في شكله أكثر أناقة واحتفاظا برونقه من الهرم الأكبر؛ إذ لا يزال الجزء الأعلى من كسوته التي أحضرت له من محاجر «طرة» باقيا إلى الآن.

وقد دلت الحفائر التي عملت حديثا في جهته الشرقية على أن قاعدة الهرم من جهاتها الأربع مكسوة بمدماكين من الجرانيت الأحمر المحبب، ولا تزال بقايا هذه الأحجار في مكانها من الجهة الشرقية إلى الآن. هذا وقد كشف عن المعبد الجنائزي الملاصق للهرم من جهته الشرقية وكذلك عن الطريق الموصل إلى معبد الوادي ويبلغ طوله نحو 600 متر تقريبا، وبجوار المعبد الجنائزي كشف عن سفن الشمس وسفينة الحج إلى «العرابة»، وعثر في المعبد الجنائزي وما حوله على بقايا أكثر من مائتي تمثال ل «خفرع» ليس بينها تمثال واحد سليم، ويرجع السبب في ذلك إلى عصر الثورة التي قامت بعد سقوط الأسرة السادسة فحطمت كل ما كان أمامها. أما التماثيل التي عثر عليها في معبد الوادي المبني بالقطع الضخمة من الجرانيت الأحمر المحبب، وهو المعبد الملاصق لأبي الهول، فقد وجد منها اثنان سليمان، ويعد أحدهما وهو المصنوع من الديوريت من أجمل ما أخرجه الفنان المصري في كل عصوره، بل ومن القطع النادرة في عالم الفن.

الهرم الثاني والطريق المقدس الموصل من المعبد الجنائز إلى معبد الوادي.

وقد بقيت أسرة «خفرع» مجهولة في معظمها إلى عهد قريب، فلم يكن يعرف من أولاده أكثر من ثلاثة، أما الآن فقد كشف عن معظم أفراد الأسرة ويبلغ عدد أولاده نحو 16 فردا من الذكور والإناث، وقد وجدت مقابر بعضهم سليمة لم تصل إليها أيدي اللصوص، ومعظمهم قد نحتوا لأنفسهم قبورا في الصخر، وهي إما في الجهة الشرقية أو الجهة القبلية من هرمه، وإما بجوار الطريق الموصل بين معبده الجنائزي ومعبد الوادي. والظاهر أن «خفرع» لم يتمكن من بناء أهرام صغيرة في الجهة الجنوبية من هرمه لزوجاته، كما فعل «خوفو» من قبله و«منكاورع» من بعده، وربما كان السبب في ذلك قيام المشاحنات على العرش، وقد كانت قائمة بينه وبين أخلاف «ددف-رع»، ويظهر ذلك جليا في الهرم الذي أخذ في تشييده بالجهة الجنوبية ولكن لم يتم بناءه، ويحتمل أنه لم يدفن فيه أحد، وبقاياه لا تزال موجودة إلى الآن، وربما كان عدم قيامه بحملات إلى البلاد الأجنبية شمالا أو جنوبا يرجع إلى نفس السبب؛ إذ الواقع أننا لم نعثر على اسم «خفرع» في الجهات التي كان فراعنة مصر يرسلون إليها البعثات أو الحملات التأديبية أو للبحث عن المعادن، ومما يعزز هذا الرأي إن مقابر أسرته العدة التي كشف عنها حديثا لم يكن قد تم نحتها عند الدفن، وبقيت كذلك إلى الآن، وقد كان المفروض أن مقابر الأسرة تعطى عناية عظيمة من الملك في نحتها ونقشها. (3-1) أبو الهول

جرت العادة عند علماء الآثار والمؤرخين أنهم عندما يكتبون عن الملك «خفرع» أن ينسبوا إليه تمثال أبي الهول قائلين بأن هذا التمثال العجيب هو للملك «خفرع» بعينه، ولذلك يعتقد الكثيرون أن المعبد المجاور له هو معبد أبي الهول، والواقع أن تمثال أبي الهول ليس له علاقة قط بالمعبد المجاور له، وأنه كان إلها يعبده الملك خفرع وله معبد خاص قائم أمامه، كما سنفصل ذلك فيما يلي.

لم تصل إلينا معلومات عن هذا التمثال من مؤرخي اليونان الذين زاروا مصر قبل الميلاد، بل كان كل همهم موجها إلى الأهرام ووصفها، ولا ندري لذلك من سبب، فهل كان أبو الهول مغمورا بالرمال أم أنه لم يلفت نظرهم؟

تمثال أبي الهول.

يقع هذا التمثال في الجهة الشمالية من نهاية الطريق الممتد بين المعبد الجنائزي ومعبد الوادي للملك خفرع، وهو محفور في قطعة واحدة نحتت من صخرة محلية، ولكن الناظر إليه الآن لا يصدق ذلك، والسبب في هذا أنه رمم في عصور مختلفة، ويبلغ طوله 46 مترا وارتفاعه من الأرض إلى قمته 21 مترا، والظاهر يدلنا على أنه تمثال، رأسه رأس إنسان وجسمه جسم أسد.

أما تاريخ نحته فقد اختلف فيه المصريون أنفسهم، فهناك نقوش متأخرة تدل على أنه نحت في عهد «خوفو»، ولكن برهن البحث العلمي على أنها نقوش دخيلة من عصر الدولة الحديثة وما بعدها، وقد غالى بعض المؤرخين فقال: إن هذا التمثال قد نحت في عهد ما قبل الأسرات، وقد بقيت الآراء متشعبة في تاريخ نحته وفي كنهه وما يرمز إليه.

Unknown page