Mawsucat Misr Qadima
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
Genres
2
فمثلا نجد «الصقر» مع أنه يمثل وحده الإله «حور» للمقاطعة الثانية، فإنه غالبا يمثل على شكل إنسان برأس صقر.
ولكنه في رمز المقاطعة بقي صقرا فحسب، وكذلك الطائر «إبيس» تحوت إله المقاطعة الخامسة عشرة فإنه يرسم على شكل إنسان برأس الطائر «إبيس»، وعندما يراد به رمز المقاطعة لا يرسم إلا «إبيس» فقط، ونجد في المقاطعة الخامسة الإلهة «نيت»، وترسم على شكل امرأة إلهية قابضة في يدها على سهمين في هيئة الصليب، وهما الرمز القديم للمقاطعة، والأولى أن نفرض أن هذه الحيوانات وهذه الأشياء قد فقدت مدلولاتها الأصلية في أعين عامة الشعب، ولذلك نرى من الصعب جدا أن يتصور دهماء الناس أن الصقر أو الطائر «إبيس»، الذي يرمز به لهذه المقاطعة أو تلك هو جد القبيلة، أو سيدها، أو رمزها، ولكنهم في الوقت عينه لا يمكنهم أن يعتبروه رمزا معنويا، بل يعدونه الصورة الحية على الأرض للإله أي الحيوان الذي تقمص فيه الإله كذا ، وكذلك السهمان المتقاطعان فإنهما يمثلان معبودا، أو صورة ظاهرة تتقمص فيها الإلهة أو شكل آخر مادي، ومنذ عهد الأسرة الثانية الطينية حوالي (3200-3000ق.م) نرى الأشكال الإلهية المركبة «رأس حيوان وجسم إنسان أو بالعكس» تفسر لنا بجلاء ووضوح انتقال الرمز إلى إله يعبد، ولا يبعد أن يكون هذا التحول نتيجة تغير القبيلة إلى مقاطعة، وكذلك للسبب الذي ذكرناه آنفا.
الأمر الثاني:
نشاهد إله العاصمة متميزا عن رمز المقاطعة.
وقد ذكرنا فيما سلف أن بعض الرموز سواء أكانت من عصر ما قبل التاريخ أم من العهد الطيني، لا توجد في المقاطعات، ومن جهة أخرى نرى هنا متناقضات صارخة، فمثلا في الوجه القبلي نشاهد أن الصقرين (رمز المقاطعة الخامسة) هما للإله «مين» الذي لا يمثل بطائر، بل يمثل بإنسان ويرمز له برسم صاعقة، وكذلك المقاطعة السادسة ويرمز لها بالتمساح فإنها مقاطعة الإلهة «حتحور» (البقرة) ثم المقاطعة الخامسة عشرة ويرمز لها بالأرنب البري مع أنها مقاطعة «إبيس» الإله «تحوت»، وكذلك نلاحظ أن المقاطعتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة يرمز لها بشجرة «البطم» على أن إله أولاهما هو الذئب «وبوات» وإلهة الثانية البقرة «حتحور»، أما المقاطعتان العشرون والحادية والعشرون، فيرمز لكل منهما بالنخلة مع أن إله الأولى الكبش «حرشف» وإله الثانية الإله «حور» والكبش «خنوم»، وظاهر جدا من كل هذه الأمثلة أنه ليس هناك ارتباط بين رمز المقاطعة وإلهها وبمعنى أوضح (الرمز لا يدل على الشكل الظاهر للمعبود)، يضاف إلى ذلك أن كلا من الرمز والإله يكتب بشكل مخالف للآخر، وهذا التضارب الصارخ نجده بين رموز المقاطعات وبين الإلهة في الوجه البحري أيضا، وعلى هذه الحال نشاهد فيما يقرب من نصف مقاطعات القطر إلهين في مقاطعة واحدة أقدمهما يحتمل أن يكون الرمز القديم المحلي وقد فقد مكانته، ولكنه رغم ذلك بقي رمزا للمقاطعة تقديرا له واحتراما لمكانته، وأصبح يقدس كأنه حيوان إلهي أو صنم، وقد استمر تقديسه من قبيل التقليد والتمسك بأهداب القديم. أما الإله الجديد الذي كان رب العاصمة وسيدها، فإنه يظهر على شكل حيوان أو صنم على شكله البشري، وهذان الصنفان من الآلهة يعيشان على وئام جنبا لجنب رغم أن كلا منهما بقي منعزلا عن صاحبه ومميزا عنه تمام التمييز، ومتون الأهرام تفصل بجلاء بين كل آلهة المقاطعات وكل آلهة المدن.
والواقع أنه عندما يختلف إله المقاطعة عن إله العاصمة فإن ذلك في غالب الأحيان يكون نتيجة تخلي جد أو إله مهزوم عن سيادة الإقليم الفعلية لخلف له، أو أن الإله الجديد جاء إثر حدوث انقلاب اجتماعي أو سياسي، فحل محل إله العاصمة، ولكن ذلك في الوقت نفسه لم يقض على عبادة الأخير جملة.
وهذه السيادة التي يتمتع بها إله العاصمة على المقاطعة قد توطدت باسم العاصمة، وتفسير ذلك أن كل مدينة عظيمة كان لها اسم متداول لم يكن مدلوله محدودا بشكل قاطع على الأقل لنا، والأمثلة على ذلك لا تعوزنا، مثال ذلك: «طينة»، و«زبتي»، وساشحتب (شطب الحالية) وأسيوط ... إلخ، وإن كان بعض العلماء قد وضع لها تفسيرا على وجه التقريب، وهذه الأسماء قد حلت محلها سلسلة أسماء مقدسة، وذلك بعد أن استقر في كل مدينة آلهة تاريخية. فكانت العاصمة تسمى: البيت «بر» أو القصر «حت» أو المدينة «نوت» أو الهيكل «زبات» أو المحراب «سخم» أو العمود «إيون» أو الصولجان «واست» للإله كذا، وبخاصة نجد أن اسم المعبد الكبير للمدينة يتغلب ويطلق على المدينة كلها فيصبح علما عليها. على أن العواصم في القطر تنعت ب «بيت» الإله كذا، مثال ذلك: «بوزريس» معناها «بيت أوزير» (أبو صير الحالية) وبوباسطة (تل بسطة الحالي) معناها بيت الإلهة «باست» القطة ... إلخ، وهذه الأسماء المقدسة أخذت تطغى شيئا فشيئا على الأسماء الأخرى، وكذلك أسماء المقاطعات، ولذلك نرى في عصور مختلفة أن القوم يسمون المقاطعة كلها باسم عاصمتها؛ أي باسم المعبد، وهذه الطريقة أصبحت شائعة الاستعمال بعد احتلال الإغريق لمصر، ولا يبعد أن يكون القوم الفاتحون من الإغريق قد اتخذوا هذه الطريقة نقلا عمن قبلهم من المصريين؛ أي إن هذه الطريقة كانت قد أدخلت في التقاليد الإدارية فتطلق على الأقاليم أسماء الحواضر بصفتها ممتلكات للآلهة المصرية، وقد بحث الإغريق عما يقابل لهذه الأسماء في علم الخرافات الإغريقية، وأطلقوها على أسماء المقاطعات، فمثلا المقاطعة الثانية للإله «حور» أطلق عليها صاحبة مدينة «أبولون» (الأبولونيتي)، وكذلك سميت المقاطعات «ديوسبوليت»، و«أفرديتوبوليت»، و«هرموبوليت» نسبة إلى مدينة الإله «زيوس» (آمون طيبة) والإلهة «أفرديتي» (حتحور دندرة) و«هرمس» (تحوت في الأشمونين)، وهكذا كان آخر حد في الطغيان الدنيوي لآلهة المدن على معبودات المقاطعات.
وتوجد مدن قد نشأت على أرض بكر، خلفها تقهقر النيل، ولم تكن قد استعمرت بقبيلة قديمة، أو لم يقطنها «أتباع» الإله، فمثلا نجد عند بداية الدلتا أرضا كانت مغمورة في الأزمان السالفة بمياه النيل، ولكن استردت من النهر بإقامة سد ضخم، فعلى هذه البقعة يقال إن «مينا» أسس المدينة المسماة «الجدار الأبيض» (أنب-حز)، وهي التي أصبحت فيما بعد «منف» أو «من-نفر» قد أطلق على الإقليم المجاور اسم المدينة ودون مثل «الجدار الأبيض» على رأس مقاطعات الوجه البحري.
على أن الإله «فتاح» الذي كان يسيطر على مقربة من هذه المدينة لم يطلق اسمه لا على المدينة ولا على المقاطعة، بل على العكس عندما انضم هذا الإله إلى منف، وصار يعبد فيها أصبح يوصف هكذا «فتاح في جنوب جداره»؛ أي الإله «فتاح» الذي يوجد معبده خارج جدران المدينة «منف».
Unknown page