Al-Mawsūʿa al-Mūjazah fī al-tārīkh al-Islāmī
الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي
Genres
وكلفتها تضحيات جسيمة، واستمرت هذه الفتنة نحو عشر سنين،
شملت ما تبقى من خلافة «عثمان بن عفان»، وكل زمن خلافة «على
بن أبى طالب» -رضى الله عنهما- (31 - 40ه).
ومما لاشك فيه أن تلك الفتنة كانت نتيجة لمؤامرة واسعة النطاق
كانت أحكم فى تدبيرها، وأوسع فى أهدافها، وأخطر فى نتائجها
من مؤامرة اغتيال «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنه -، لأن اغتيال
«عمر» لم يخلف آثارا خطيرة بين المسلمين، ولم يقسمهم شيعا
وأحزابا كما حدث فى آخر عهد «عثمان»، ولأن الذين خططوا لقتل
«عمر» والذين قاموا بتنفيذ ذلك كانوا غير مسلمين وغير عرب، فى
حين أن الذين قتلوا «عثمان» و «عليا» من بعده كانوا عربا مسلمين،
وهذا هو وجه الخطورة، حتى وإن كان التخطيط من غيرهم.
والذى لاشك فيه أن الذى تولى التخطيط للفتنة، وقتل «عثمان»،
وإغراق الأمة فى بحر من الدماء، هو «عبد الله بن سبأ» اليهودى،
الذى ادعى الإسلام؛ ليتمكن من الكيد له من داخله، والذى لقب بابن
السوداء.
وقبل الحديث عنه يحسن تناول الظروف والأجواء التى كانت سائدة
فى عهد «عثمان» - رضى الله عنه - واستغلها «ابن سبأ» لتحقيق
أهدافه المدمرة:
أولا: تغيرت الظروف فى آخر حياة «عثمان» بل وفى بداية خلافته
عما كانت عليه فى خلافة «عمر بن الخطاب»، وربما كان هذا تطورا
طبيعيا فى حياة الأمة، فقد كثرت الغنائم فى أيدى الناس، وبدءوا
يتوسعون فى المأكل والملبس والمشرب، وبخاصة الجيل الجديد من
العرب الذى دخل فى الإسلام بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -،
ولم يتأدب بآدابه، ولم يتعود حياة القناعة والقصد فى المعيشة التى
كان يحياها الصحابة فى حياته - صلى الله عليه وسلم -.
ولم يرض ذلك التوسع فى المعيشة صحابيا جليلا اشتهر بالزهد، هو
«أبو ذر الغفارى»، فسخط على «عثمان» وولاته وعماله، وحملهم
مسئولية ذلك التطور الاجتماعى الطبيعى الذى لم يكن من صنعهم،
Page 121